تضررت صورة القوى السياسية المهيمنة على لبنان منذ عقود، ومعها كل التراكيب التي أقامتها وعبرت عن سلطتها في الوسط الطلابي والشبابي والنقابي وغيره. والأهم أن ما كانت تطرحه من مقولات وأفكار ومفاهيم تخطاها التحرك الأخير لصالح هوية جامعة للبنانيين على اختلاف مشاربهم. فقد برزت وطنية ومواطنية رغماً عن الطوائف وتقسيماتها. وباتت هذه القوى وممثلو القوى السياسية في أي من المواقع، كمن يعاني من جرب يحذر الآخرون الاقتراب منه، بعد أن اتّهمت الجموع رموزها بسرقة المال العام، وتعريض الناس لخطر الجوع ومستقبل الشباب للتبدد. هذا على الأقل لدى شرائح واسعة من الرأي العام الذي انتفض في المناطق اللبنانية كافة على ما يعانيه من استهانة بكرامته وحقوقه المعيشية.
الشباب كانوا أكثر حضوراً وتفاعلاً بالنظر إلى الأزمات المتداخلة التي يعانونها. فمن أصل مجمل طلاب لبنان، فقط طلاب الجامعة اللبنانية يدفع ذووهم رسوماً رمزية على دراستهم. لكن العدد الأكبر من الطلاب الجامعيين، أي ما يعادل مرتين ونصف المرة من عدد الأولى، يتابع دراسته في الجامعات الخاصة التي تتقاضى أقساطاً أعلى بأضعاف مما تتقاضاه الجامعات في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. ما يعني أن الضائقة التي تعيشها أسرهم تنعكس على بعضهم عجزاً عن متابعة دفع الرسوم المطلوبة على كل من المواد المطلوبة، وتأمين الأقساط بالإجمال، أو دفع النفقات الإضافية على الثياب والكتب والتجهيزات والانتقال وغيرها.
اقــرأ أيضاً
ثم يأتي العمل وهو شبه مقفل في وجوههم في لبنان، إلا بأعداد محدودة، ينالها الأكثر قرباً من مراكز القوى الحاكمة، وفي غير اختصاصهم. وهذه بدورها موزعة محاصصة على ممثلي الطوائف الرئيسيين. غير المقرب من زعيم الطائفة لا أمل له في الحصول على وظيفة، التي أعلنت موازنة العام 2020 أنها خارج التداول في غضون السنوات الثلاث المقبلة في القطاع العام. أما القطاع الخاص فيعاني الركود والشلل الكامليْن في مجالاته كافة. الهجرة هي المجال الوحيد، لكنها باتت نادرة نحو دول المقصد التي كانت تمتص الكفاءات اللبنانية، وهي بالأصل في أيام العز غير متاحة للجميع. الأسوأ أن كل المنافذ التي كان يؤمن اللبناني فيها استمراره في العيش أصبحت بعيدة عن متناول يده. تأمين مسكن لشاب يفكر بالزواج مهما كانت درجته العلمية دون دعم ومساندة كبرى من ذويه لا مجال له، هذا على الرغم من تراجع سعر العقارات المبنية وغير المبنية. الإيجارات شبه معدومة في سوق العرض والطلب. وكل من يفكر بالزواج أو الاستقلال عن أسرته، عليه أن يقلع عن هذا الطموح ما يقود إلى العنوسة، علماً أن المعدلات العمرية لزواج الذكور بات أكثر من 32 عاماً والفتيات 29 عاماً. المقصود القول إن أزمات هذه الشريحة مطبقة إلى هذا الحد أو ذاك، ربما لهذا السبب وجدنا هذا المستوى من البذاءة في شعاراتهم وكلماتهم. لم يستمع لهم أحد في غضون السنوات السابقة، فقرروا أن يرفعوا أصواتهم بلغة خارج اللياقات والآداب العامة المتداولة. ولا شك أنهم لن يصمتوا بعد اليوم.
يفترض، إذا ما عادت المياه إلى مجاريها أن تشهد انتخابات الجامعة اللبنانية أولى مضاعفات ما شهده المجتمع اللبناني من حضور هذه الكتل في المعادلة التي سبق ووضعها نظام المحاصصة الطائفي ضمن عملية فرز قاتلة قادت إلى الانفجار.
(باحث وأكاديمي)
الشباب كانوا أكثر حضوراً وتفاعلاً بالنظر إلى الأزمات المتداخلة التي يعانونها. فمن أصل مجمل طلاب لبنان، فقط طلاب الجامعة اللبنانية يدفع ذووهم رسوماً رمزية على دراستهم. لكن العدد الأكبر من الطلاب الجامعيين، أي ما يعادل مرتين ونصف المرة من عدد الأولى، يتابع دراسته في الجامعات الخاصة التي تتقاضى أقساطاً أعلى بأضعاف مما تتقاضاه الجامعات في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. ما يعني أن الضائقة التي تعيشها أسرهم تنعكس على بعضهم عجزاً عن متابعة دفع الرسوم المطلوبة على كل من المواد المطلوبة، وتأمين الأقساط بالإجمال، أو دفع النفقات الإضافية على الثياب والكتب والتجهيزات والانتقال وغيرها.
ثم يأتي العمل وهو شبه مقفل في وجوههم في لبنان، إلا بأعداد محدودة، ينالها الأكثر قرباً من مراكز القوى الحاكمة، وفي غير اختصاصهم. وهذه بدورها موزعة محاصصة على ممثلي الطوائف الرئيسيين. غير المقرب من زعيم الطائفة لا أمل له في الحصول على وظيفة، التي أعلنت موازنة العام 2020 أنها خارج التداول في غضون السنوات الثلاث المقبلة في القطاع العام. أما القطاع الخاص فيعاني الركود والشلل الكامليْن في مجالاته كافة. الهجرة هي المجال الوحيد، لكنها باتت نادرة نحو دول المقصد التي كانت تمتص الكفاءات اللبنانية، وهي بالأصل في أيام العز غير متاحة للجميع. الأسوأ أن كل المنافذ التي كان يؤمن اللبناني فيها استمراره في العيش أصبحت بعيدة عن متناول يده. تأمين مسكن لشاب يفكر بالزواج مهما كانت درجته العلمية دون دعم ومساندة كبرى من ذويه لا مجال له، هذا على الرغم من تراجع سعر العقارات المبنية وغير المبنية. الإيجارات شبه معدومة في سوق العرض والطلب. وكل من يفكر بالزواج أو الاستقلال عن أسرته، عليه أن يقلع عن هذا الطموح ما يقود إلى العنوسة، علماً أن المعدلات العمرية لزواج الذكور بات أكثر من 32 عاماً والفتيات 29 عاماً. المقصود القول إن أزمات هذه الشريحة مطبقة إلى هذا الحد أو ذاك، ربما لهذا السبب وجدنا هذا المستوى من البذاءة في شعاراتهم وكلماتهم. لم يستمع لهم أحد في غضون السنوات السابقة، فقرروا أن يرفعوا أصواتهم بلغة خارج اللياقات والآداب العامة المتداولة. ولا شك أنهم لن يصمتوا بعد اليوم.
يفترض، إذا ما عادت المياه إلى مجاريها أن تشهد انتخابات الجامعة اللبنانية أولى مضاعفات ما شهده المجتمع اللبناني من حضور هذه الكتل في المعادلة التي سبق ووضعها نظام المحاصصة الطائفي ضمن عملية فرز قاتلة قادت إلى الانفجار.
(باحث وأكاديمي)