لا حدائق ولا ألعاب

06 يوليو 2016
لا مكان آخر يلعبون فيه (إسماعيل مالكي)
+ الخط -

يحمل كثير من الجزائريّين اسم "العيد" و"عيدة"، دلالة على ارتباطهم بهذا اليوم الذي يمارسون فيه طقوساً فرحة ويغنون ويلعبون. وعادة ما يرفضون مظاهر الحزن والبكاء، حتى خلال زيارة المقابر صبيحة العيد، والتي تعدّ من المظاهر اللافتة للانتباه.

على عكس الأيام الأخرى، يصحو الأطفال باكراً، فرحين بارتداء ملابسهم الجديدة. السائد أن يُكسى الطفل في عيد الفطر الذي يسمى شعبياً بـ "العيد الصغير". وعادة ما تحنّى أيادي الأطفال (الفتيات والصبيان) ليلة العيد. يشكّل الأطفال مجموعات صغيرة ويزورون بيوت الجيران حتى وإن لم يكونوا من أقاربهم. يعودون منها محمّلين بالحلوى، خصوصاً "المقروض" المصنوع من السميد والعسل والتمر المعجون. كذلك، يحصلون على إكراميّات نقدية من بعض من يصادفونهم في طريقهم.

يستغلّون هذه النقود عادة لشراء الألعاب من المحال التجارية، أو الطاولات التي توضع في يوم العيد على الأرصفة وفي مداخل الأحياء، من قبل شباب عاطلين من العمل، والحلويات والعصائر خلال تنزههم في النصف الثاني من اليوم مع أهلهم.

هنا، تطرح أسئلة متعلّقة بمدى توفّر المرافق والمساحات والحدائق القادرة على استيعاب أطفال الجزائر في مثل هذه المناسبات، خصوصاً أنهم المعنيّون بالعيد. في هذا الإطار، يقول فارس لوماسين، وهو مستشار تربوي، لـ "العربي الجديد"، إن الحديث عن النواقص المتعلقة بالكبار في الجزائر يطغى على الحديث عن تلك المتعلّقة بالصغار، واصفاً الأمر بـ "الأنانية الاجتماعية". يضيف أن مظاهر حرمان الطفل كثيرة، إلا أنها لا تجد طريقها إلى النقاش أو الحلول على مستوى المؤسسات المعنية بها، من الأسرة والمدرسة والبلدية والحكومة والبرلمان والإعلام.

يقول لوماسين إن المساحات المخصصة للأطفال، إن وجدت، فهي تفتقر إلى الألعاب الضرورية. يضيف: "كأن الجزائريّين يريدون من أطفالهم أن يولدوا كباراً. لذلك، لا يوفر المسؤولون فضاءات للعب، ولا يحتجّ الآباء على غيابها، مثلما يحتجون على أزمة السكن". ويسأل: "في ظل واقع كهذا، هل يحقّ لمجتمع الاحتجاج على الجرعة الزائدة من العنف في تفكير وسلوك الطفل والمراهق والشاب في المدرسة والشارع والملعب؟".




في السياق، يقول عضو الجمعية الخيرية "الوفاء بالعهد" عبد الرؤوف ط. إن هناك تراجعاً في هذا المجال، في ظل عدم اهتمام البلديات بالحدائق العامة في عدد من المدن، على الرغم من كونها مشاريع تجارية في الأصل، تدر أموالاً طائلة على الجهات المشرفة عليها، حكومية كانت أم خاصة. ويبدي استغرابه: "ما معنى أن تبيع بلدية قسنطينة مثلاً الألعاب المخصصة للحدائق في جبل الوحش، لتصبح فضاء مهملاً يقصده المنحرفون، وتسمح بلدية سطيف لشخصية نافذة أن تنجز مركزاً تجارياً على أنقاض أكبر حديقة تسلية في الشرق؟".

غرباَ، وعلى بعد 400 كيلومتر من الجزائر العاصمة، تضمّ مدينة معسكر حديقة عامة كبيرة، كانت في الأصل غابة صنوبر. إلا أنها، بحسب المسرحي مختار حسين، تفتقر إلى ألعاب مبتكرة تنسجم وعقلية أطفال هذا العصر. يسأل: "هل تحتاج الدولة إلى المال أم الأفكار؟ فالحديقة تضمّ ألعاباً تعود إلى سبعينيات القرن العشرين. هل هذا جهل بالألعاب الجديدة، أم استهزاء بالطفل الجزائري؟".

ويقترح أن تنسحب البلديات من هذا العمل، بعدما أثبتت التجارب فشلها، على أن تتولى الأمر شركات خاصة أو رجال أعمال. "هناك طفل يحتاج إلى فضاء مليء بالألعاب الجديدة، ورجل أعمال مستعد لأن يوفر له ذلك، جزائرياً كان أم أجنبياً. فلماذا الوقوف في وجه فرحة الأطفال؟". من جهتها، تقول الطفلة شيماء (15 عاماً) إن الأسرة التي تملك سيارة تتمكن من أخذ صغارها إلى حديقة "بن عكنون" في الجزائر العاصمة، أما تلك التي لا تملك سيارة، فيقضي صغارها عيدهم في الحومة.

"لالة ستي"

يطالب مدير أحد دور الشباب في تلمسان في الجزائر، مهدي خلادي بوشناق، بتعميم تجربة حديقة التسلية المعروفة بـ "لالة ستي". ويوضح أن هذه الحديقة تحتوي على بحيرة وفندق وألعاب للأطفال ومساحات خضراء ومطاعم. ويقول: "يدهشني إقبال الأطفال عليها مع عائلاتهم يوم العيد، ليس من تلمسان فقط، بل من المحافظات المجاورة أيضاً". ويسأل: "ما المانع من أن يكون لكل مدينة فضاء شبيه؟".