بات الانتحار ظاهرة تحصد العديد من أرواح الشباب في العراق باستمرار، بعدما كان نادر الحدوث وسط مجتمع عشائري يتمسك بالتقاليد والأعراف والذي يرفض مثل تلك الممارسات. وبحسب إحصائيات نشطاء ومنظمات حقوقية وإنسانية، لا يكاد يمر شهر واحد من دون تسجيل حالة انتحار أو أكثر في إحدى المدن العراقية، لا سيما وسط وجنوب البلاد.
وأعلنت منظمة حقوقية في محافظة ديالى (57 كلم شمال شرق بغداد)، أنّ المحافظة شهدت 53 حالة انتحار خلال 2018. وقال مدير منظمة ديالى لحقوق الإنسان، طالب الخزرجي، في بيان صحافي: "سجلت منظمتنا من خلال دراسة معمقة 53 حالة انتحار في ديالى العام الماضي، 2018، انتهت 50 منها بالوفاة، فيما أنقذت حالتين لإناث وواحدة لذكر بوقت قياسي".
وأوضح الخزرجي أنّ "الحالات التي انتهت بالوفاة مقسمة بين 27 لذكور، وتضمنت الشنق وهو الأكثر بواقع 13 حالة، والطلق الناري 8 حالات، والحرق 5 حالات، وسقوط من على مرتفع حالة واحدة"، مشيراً إلى أنّ "23 حالة كانت لإناث، كان الحرق الأكثر بينها بنحو 16 حالة، والشنق 5 حالات، والغرق حالة واحدة، وقطع الوريد حالة واحدة".
وعزت المنظمة أبرز أسباب تلك الحالات، إلى "المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبطالة ومواقع التواصل الاجتماعي"، مشيرة إلى أنّ "غالبية أعمار المنتحرين تراوح ما بين 17 إلى 25 عاماً".
بدورها، قالت الحقوقية منال محمود، لـ"العربي الجديد"، إنّ "نسب الانتحار ارتفعت بين الشباب ذكورا وإناثا، نتيجة لأسباب عدة، أولها الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل التي أصبحت مصدر تهديد للشباب، ما يؤدي إلى انتحار الفتاة خوفًا على سمعتها".
وأضافت أن "من دوافع الانتحار أيضا تعاطي الشباب للمخدرات والكحول، والضغوط التي يتعرضون لها نتيجة عدم وجود خدمات وتعيينات، فضلاً عن الاضطرابات النفسية، ما يؤدي إلى عدم شعور الفرد بقيمة الحياة، ويضاف إلى ذلك الفقر والمشاكل العائلية التي تدفع العديد من الشباب لاختيار الانتحار لإنهاء حياتهم، ظناً منهم أنّ هذا ما يجعلهم أكثر راحة، دون الخوف من عواقب ذلك من الناحية الدينية أو الاجتماعية على عائلة الشخص المنتحر".
وأشارت محمود، التي تعمل مدربة في منظمات محلية، إلى أنّ "العديد من الحالات تسجل على أنّها انتحار، لكنّها بالأصل ليست كذلك، بل هي قتل معتمد يخفي الجاني الجريمة بشكل ما، ومنها ما يعرف بغسل العار والثأر بين العوائل، لذلك هنالك شكوك كبيرة بمصداقية أنّ تكون جميع تلك الحالات هي انتحار بالفعل".
ولفتت إلى أنّه "حتى السنوات القليلة الماضية لم يكن الانتحار مألوفا في المجتمع العراقي، الذي يحترم العادات والتقاليد، باستثناء بعض الحوادث المتفرقة"، داعية الجهات الطبية وجهات التحقيق إلى "التحري بشكل دقيق عن أسباب وفاة من يسجل على أنه منتحر، لمعرفة ما إذا مات منتحراً فعلا أم قُتل، كذلك على منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام ورجال الدين توعية المجتمع من مخاطر الإقدام على الانتحار".
وسبق لمفوضية حقوق الإنسان العراقية أن أعلنت عن زيادة ملحوظة بمعدلات الانتحار في عموم العراق منذ 2013، وأرجعت ذلك إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، مشيرة إلى أنّ عدد حالات الانتحار في محافظة ذي قار، جنوبي العراق، خلال عام 2018 بلغت 59 حالة، كما شهدت محافظة البصرة تسجيل 3 حالات انتحار منذ مطلع العام الحالي، 2019.