الهند: تعليم الأطفال من خلال لغاتهم القبلية

09 يناير 2018
تزخر الهند بالعديد من مبادرات تعلم اللغة المحلية (Getty)
+ الخط -

 

يؤكد بحث صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، بعنوان "الارتقاء بمستوى تعليم الأطفال المنتمين إلى خلفيات لغوية متنوعة" أن تعليم الأطفال بلغاتهم المحلية أو القبلية يساعدهم على المشاركة والتفاعل الإيجابيين في الأنشطة الصفية واللاصفية داخل المدارس، ويحفزهم على تحسين نتائج التعلم.

 

أطفال القبائل في الهند

لعل هذا ما يفسر السبب الجوهري للإخفاق الذي تعانيه جهود تعليم أطفال القبائل في الهند؛ حيث تؤكد البيانات الحكومية الصادرة عن لجنة التخطيط التابعة للحكومة الهندية، والواردة في دراسة بعنوان "الخطة الخمسية الثانية عشرة (2012 – 2017): القطاعات الاجتماعية" أن معدلات تسرب أطفال القبائل من التعليم الابتدائي عن هذه الفترة، بلغت 58% في مقابل 37% للأطفال غير القبليين.

وبينما يخضع أطفال القبائل وأطفال المجتمعات الأخرى لمدارس تعاني من سوء الإدارة وفقر الإمكانات سواء بسواء، إلا أن "الاختلافات اللغوية والثقافية تمثل أحد العوامل الرئيسة التي لم يتم بحثها أكاديميا على نحو كاف"، وفقا لما أوردته الدراسة.  

 



ثقافة المجتمع من أجل قراءة فعالة

من هذا المنطلق، سعت منظمة Aide et Action – وهي منظمة عالمية غير ربحية، تأسست في باريس عام 1981، وتسعى إلى تغيير العالم من خلال التعليم – إلى الارتقاء بمستوى تعليم أطفال القبائل في عدد من القرى التابعة لمدينة "بالاجهات"، بولاية "ماديا برادش" عبر استخدام لغاتهم القبلية. في سبيل ذلك، أنشأت المنظمة مراكز تعليمية تكميلية في 77 مدرسة ابتدائية؛ وذلك لخلق بيئة تعليمية تفاعلية تُعنى بتطبيق منهجيات التعليم القائم على الأنشطة.

لكن أعضاء فريق منظمة Aide et Action واجهوا الكثير من العقبات بسبب الطبيعة الجغرافية النائية لهذه القرى، واختلاف اللغات بين التلاميذ، وتباين السياقات الاجتماعية والثقافية بين القبائل؛ إلا أن العجز الصارخ في مواد القراءة، التي تستمد موضوعاتها من البيئة (أو ما يعرف بمواد القراءة السياقية)، كان يمثل العقبة الكبرى أمام جهود تحسين نتائج تعلم الأطفال.

 

مكتبات متنقلة للتأكيد على الهوية

وللتغلب على هذه العقبات، اضطر أعضاء الفريق إلى تعديل وتطوير الدور الخاص بالمكتبات للاستفادة منها بدرجة أكبر مما كان مقرراً لها في خطة عمل البرنامج. في هذا الإطار، قامت منظمة Aide et Action بتدريب أخصائيي المكتبات، الذين كانوا يشكلون جزءا من فريق عمل البرنامج، على اختيار كتب سياقية ملائمة للثقافة القبلية.

ولتغطية جميع القرى المستفيدة من البرنامج، والتي تمتد على مسافات مترامية، تبنى فريق العمل نموذج "المكتبات المتنقلة"؛ حيث اضطلع أخصائيو المكتبات المدرَبون بالتنقل بدراجاتهم إلى المراكز التعليمية التكميلية (أو ما يُعرف بـ "أناندجهار") خلال ساعات النهار، حاملين 20 كتابا للأطفال تم اختيارها بعناية فائقة، وفقا لمعياري التدرج بحسب مستوى القراءة، والمناسبة للتراث الثقافي والاجتماعي.

ولعب أخصائيو المكتبات أدوارا متعددة خلال هذه الزيارات تراوحت بين جلسات القراءة الجهرية، وسرد الحكايات التراثية، وتطبيق أنشطة تعليمية عديدة مثل مسرحة القصص، وإسناد الأدوار إلى الأطفال ليمثلوها بلغاتهم القبلية؛ وهو ما أثبتت القياسات التربوية نجاحه في زيادة معدلات الثقة بالنفس، والتأكيد على الهوية، والقدرة على التعبير عن الذات.

 

 

كتب باللغات القبلية

ومن ثم، صمم فريق العمل بالمشروع حزمة نشاطات تسمح للأطفال بالتحدث، والتعلم بلغاتهم الأصلية، دون إهمال تشجيعهم على إتقان اللغة المستخدمة داخل المدرسة. وقد أثبتت هذه

النشاطات منخفضة التكلفة والقابلة للتطوير قدرتها على مواجهة العديد من التحديات على أرض الواقع، وأصبحت تمثل خطوة هامة نحو تغيير مجتمعي يتجاوز حدود التعليم.

من بين هذه النشاطات تنظيم جلسات مكتبية مفتوحة لأهل القرية بوجه عام. ففي يوم محدد من كل أسبوع يجتمع جميع أخصائيي المكتبات في قرية واحدة، حيث يتم سرد حكايات من التراث القبلي، وأداء أغان شعبية، وتنظيم بعض المسابقات. كما تتضمن هذه الجلسات – من بين نشاطات أخرى – دعوة الآباء والأجداد لمناقشة ضرورة التعليم في المدارس، ودعم الأطفال لتحقيق الاستفادة القصوى من هذا التعليم، وسبل التحقق من انتظام الأطفال في المدارس لتعلم القراءة والكتابة.

وقد أثبتت هذه الفعالية نجاحات كبيرة في حشد المجتمع لمساعدة فريق عمل المراكز التعليمية التكميلية على زيادة أعداد الأطفال المسجلين بالمدارس، ومكافحة ظاهرة التسرب في السنوات الأولى من التعليم. كما جذبت الكتب التي أتاحتها المكتبات المتنقلة الآباء والأمهات لقراءتها.



 

تقدم ملحوظ على صعيد التعلم

وعلى مدى العامين الماضيين، أثبتت الدراسات المسحية التي أجريت على نتائج الاختبارات السنوية لتقييم التعلم في المراحل الأولى ارتفاعا مطردا في مستويات التعلم لدى أطفال القبائل، الذين يشكلون العينة المستهدفة للبرنامج.

في هذا السياق، يشير بهولسينج ماركام، المعلم بقرية أركات، لموقع VillageSquare.in إلى أن الأطفال "كانوا يعانون من الخجل الزائد، الذي جعلهم يحجمون دائما عن المشاركة، لكنهم الآن يلبون دعوتنا لقراءة القصص لأقرانهم".

لا أحد ينكر الدور البارز الذي قامت به العديد من البرامج التربوية والتعليمية في خدمة أهداف تعليم أطفال الطبقات الفقيرة والمهمشة عبر إنشاء مراكز تعلم داعمة داخل المدارس. لكن ما يجعل هذه المبادرة متميزة – وفقا لموقع thebetterindia.com هو قدرتها على تجسير الفجوة بين المدرسة والمجتمع للنهوض بمسؤولياتهما التعليمية؛ إذ لا تسعى هذه المبادرة فقط إلى إتاحة الفرصة لأطفال القبائل لتعلم اللغة المستخدمة في مدارسهم، وإنما تعمق ارتباطهم الوجداني والمعرفي بلغتهم وثقافتهم القبلية.

    

دلالات
المساهمون