محاكم الرقّ تثير حفيظة البعض في موريتانيا

09 اغسطس 2016
هل يُنصَفون أخيراً؟ (جورج غوبيه/ فرانس برس)
+ الخط -
حقّقت موريتانيا واحداً من أبرز مطالب شريحة "الحراطين" التي كانت مستعبدة سابقاً، عبر إنشاء محاكم خاصة بجرائم الرقّ. لكنّ هذه المحاكم التي أطلِقت أخيراً، أثارت حفيظة "البيض"، الذين رأوا فيها تهديداً للتعايش السلمي، وإساءة إلى سمعة البلاد، وتأكيداً على وجود العبودية في موريتانيا.

لم ترضِ هذه المحاكم طموحات العبيد السابقين، الذين شككوا في قدرة هياكلها وصلاحيات أجهزتها في الضرب بيد من حديد، إزاء كلّ من تسوّل له نفسه استعباد أبناء العبيد السابقين، وإرغامهم على الرعي وأعمال السخرة. وانتقد كثيرون من المهتمين بمحاربة العبودية وآثارها في موريتانيا محدودية الصلاحيات الممنوحة لمحاكم الرقّ، وعدم قدرتها على إرغام المتّهمين والسلطات على منح ضحايا الرقّ تعويضاً مالياً مناسباً، لما عانوه خلال سنوات استعبادهم.

ويرى البعض أنّ إنشاء هذه المحاكم اتّخذ طابعاً شكلياً، شأن مؤسسة "التضامن" التي أنشأتها الدولة من أجل مكافحة مخلّفات الرقّ، لكنّها لم تحقق الكثير. ورأى آخرون أنّ هيئتها التي لم تراعَ فيها الخبرة والتخصص، لن تساعد على إنفاذ القانون. فالقضاة المختارون لا يملكون من القوّة والخبرة ما يمكّنهم من إصدار أحكام رادعة، خاصة في المناطق الشرقية والجنوبية، حيث ما زالت القبائل تحتفظ بقوتها وعصبيّتها وسلطتها.

على الرغم من أنّ قضية محاربة الرقّ وآثاره تقدّمت خطوات كبيرة في السنوات الأخيرة، إلا أنّ العبودية ما زالت متجذّرة في بنية المجتمع الموريتاني، ولها ارتباط وثيق بالتركيبة السكانية. ويخشى الموريتانيون تأثّر قرارات قضاة محاكم الرقّ بأصحاب القوة والسلطة، خصوصاً في المناطق النائية حيث يكون المتهم في قضية استعباد من وجهاء القبائل عادة، فيما الضحية من أبناء العبيد السابقين.

ويرى الباحث في القانون، محمد ولد بابانا، أنّ "خبرة قضاة محاكم الرقّ وحنكتهم وسمعتهم سوف تساهم في سرعة التقاضي ودقة الأحكام وإلزام السلطة التنفيذية بتنفيذها، كذلك سوف تساعد في محاربة هذه المعضلة، التي عجزت الحكومات المتعاقبة عن حلّها، والتي تحاول الحكومة الحالية تخليص البلاد منها عبر إصدار قوانين وتشريعات جديدة". ويضيف أنّ السلطات لم تقدّم تعريفاً واضحاً لكلّ صلاحيات هذه المحاكم، واكتفت بالقول إنّ هذه المحاكم سوف تُسيَّر من الناحية القانونية من قبل مجلة المرافعات الجنائية الموريتانية، وسوف يُعيّن قضاتها ومستشاروها من قبل المجلس الأعلى للقضاء. ويدعو ولد بابانا إلى "تعيين خيرة القضاة وأكثرهم خبرة وتميّزاً في هذه المحاكم، وتوسيع تخصصاتها لتشمل النظر في قضايا تعويض المسترقّين وإثبات نسب أبنائهم وإصدار الأحكام على كلّ من يمجّد العبودية ويرفض التبليغ عن حالاتها".

وقد أتى أوّل حكم قضائي تصدره محكمة متخصصة في قضايا العبودية بالسجن لمدّة خمس سنوات وغرامة مالية قدرها مليون أوقية موريتانية (نحو 2500 دولار أميركي) بحقّ متّهمَين اثنَين استعبدا أسرتَين من شريحة "الحراطين" في مدينة النعمة، وأرغما أفرادهما على العمل في القرى البعيدة كرعاة للإبل وخدم في المنازل.



ورأى مراقبون كثيرون أنّ الحكم لم يكن منصفاً، نظراً لعدد الضحايا (تسعة أشخاص من بينهم أطفال) والمدّة الزمنية التي استعبدوا خلالها (13 عاماً)، كذلك أتت الغرامة متواضعة جداً، ولم تقرّ المحكمة في منطوق الحكم أيّ تعويض للضحايا وتركتهم من دون معيل، الأمر الذي قد يدفعهم إلى العودة مجدداً إلى العمل كعبيد.

تجدر الإشارة إلى أنّ أكثر أبناء "العبيد السابقين" يعملون في الخدمة المنزلية والرعي والزراعة ويتلقّون أجوراً متدنية ويعانون من العنصرية والتهميش والفقر. وفي حين ينتقد المسؤولون السلوك الاجتماعي لشريحة "الحراطين" التي تعرّضت للاسترقاق، ويرون أنّ تكاثرها يعيق جهود انتشالها مما تعانيه من أميّة وفقر، تؤكد المنظمات المدافعة عن حقوق العبيد السابقين أنّ "الحراطين" ما زالوا يعيشون البؤس والشقاء بسبب استمرار العبودية والجهل والفقر المدقع في قرى آدوابة وأحياء الصفيح المنتشرة على أطراف المدن.
ويأتي إنشاء محاكم الرقّ بعدما اتهمت أطراف حقوقية عدّة السلطة التنفيذية باستغلال القضاء وعدم إنصاف ضحايا الرقّ في قضايا عديدة، تُعرض أمام المحاكم الجنائية ويستفيد المتهمون فيها من حماية الدولة والقبيلة.

محمود ولد إيسلمو أباه من ضحايا العبودية، يقول إنّ "أبناء العبيد السابقين ينتظرون إنصافهم وفتح الملفات المتعلقة بجرائم العبودية، التي خضع لها أطفال ونساء وظلت عالقة أمام العدالة من دون النطق بأي حكم يدينها. كذلك ينتظرون تخصيص تعويضات مهمة لهم بدلاً من المبالغ الزهيدة، التي تُدفع لبعض ضحايا العبودية". ويشدّد على أنّ "إنشاء محاكم خاصة بجرائم الرقّ، يجب أن يترافق مع الاعتناء بأبناء هذه الشريحة وانتشالهم من أوضاعهم، لضمان عدم تراجعهم عن تصريحاتهم واتهاماتهم. فخوف بعض الضحايا وجهلهم يساعدان المتهمين بجرائم العبودية على الإفلات من العقاب".

دلالات