تونسي مقيّد بالسلاسل منذ 16 عاماً

12 فبراير 2016
"لم نجد حلاً سوى تقييده" (العربي الجديد)
+ الخط -
في غياب أيّ دعم مالي أو رعاية طبية، لا يتمكن شاب تونسي معوّق ذهنياً من مغادرة غرفته. ولا يجد أهله مفراً من تقييده

منذ 16 عاماً لا يعرف الشاب التونسي شكري الغريبي شيئاً من الحياة أبعد من سريره وقيوده الحديدية في الغرفة الصغيرة التي باتت عالمه الكامل. حجّة الأهل أنّه قد يؤذي نفسه أو الآخرين إذا ما تحرر.

الغريبي وهو من محافظة القيروان، وسط تونس، يبلغ من العمر 36 عاماً. تلازمه إعاقة ذهنية واضطرابات نفسية منذ أكثر من 20 عاماً. نقله أهله إلى مستشفى الرازي للأمراض العقلية في تونس العاصمة، حيث تلقى العلاج طوال ثلاثة أعوام. لكنّه لم يتماثل للشفاء بل ساءت حالته الصحية، ليصبح ذا تصرفات عدائية مع الناس، يحاول ضربهم أو حتى قتلهم.

حالة شكري العصبية عرّضته إلى أكثر من حادثة، آخرها منذ خمس سنوات، ما تسبب له في إعاقة حركية في الساق. بات من بعدها غير قادر على التحرك بسهولة، خصوصاً أنّ إعاقته الذهنية وحالته النفسية حالتا دون تلقيه العلاج اللازم، فقد بات عدائياً تجاه الآخرين، حتى من كانوا من جيرانه وأهله.

عائلة شكري لم تجد حلاً سوى تقييده بجنزير حديدي منذ أكثر 16 عاماً، منعاً لاعتداءاته المتكررة. وبالتالي يمضي منذ عام 1999 كلّ أوقاته في غرفة صغيرة. لا يسمح له بالتنقل حتى داخلها، بعد شد وثاقه إلى الحائط بالقرب من سريره الحديدي. منذ ذلك الوقت لا يعتني به سوى والديه وأخيه الأكبر الشافعي الغريبي.

يقول الشافعي: "حالة أخي مشابهة لعشرات الحالات الأخرى التي تتلقى في البداية العلاج في مستشفى الأمراض العقلية لتشخيص الحالة. لكن يبقى المريض بضعة أشهر بعد ذلك حتى تستقر حالته، ليسلّم بعد ذلك إلى الأهل. إلا أنّ حالته ساءت ليصبح أكثر عدائية مع نفسه وعائلته وكلّ الناس. لم نجد من حلّ سوى تقييده بسلاسل خوفاً من إيذاء نفسه وغيره، ليبقى على هذا الحال طوال هذه الفترة الطويلة. لا يقابل أحداً ولا يخرج إلاّ برهة من الزمن إلى فسحة البيت تحت المراقبة".

ما إن يرى شكري شخصاً غريباً حتى يضطرب سلوكه وينطوي على نفسه خوفاً من إيذائه له. أو يتخذ ردّ فعل عنيفاً ضد كلّ من يحاول الاقتراب منه. لا يحادث أحداً ولا يقدر حتى على طلب أي شيء. لكنّ والدته تعرف كل حاجياته ومطالبه. ولأنّه غير قادر على فعل شيء حتى مجرد الأكل والاغتسال بنفسه، تخدمه والدته المسنة بكل شيء، كطفل صغير. تغير ملابسه وتطعمه وتغسله وتعتني بنظافته يومياً. لا تتعب من العناية بابنها، لكن مع ذلك باتت تطلب الموت الرحيم له مخافة ألا يجد من يعتني به بعد موتها.

فقر حال الأهل وارتفاع تكاليف العلاج دفعتهم إلى طلب الإعانة من وزارة الشؤون الاجتماعية للحصول على منحة الفقر التي تقدّر بـ150 ديناراً تونسياً شهرياً (75 دولاراً أميركياً). وبالرغم من بساطة المبلغ الذي لا يفي بحاجيات شكري إلاّ أنّ وزارة الشؤون الاجتماعية التي مكنت العائلة من تلك المنحة في مايو/أيار 2014، سرعان ما قطعتها عنها مجدداً بعد عام واحد فقط.

مصاريف شكري وعلاجه مع بطالة الأخ الأكبر وضعف دخل الوالد الذي لا يتجاوز 150 ديناراً، ضاعفت من ديون العائلة فلم يتمكنوا من سدادها. يقول الشافعي إنّ شقيقه لا يستفيد من التغطية الصحية أو الاجتماعية. كما أنّه بات يحتاج إلى رعاية طبية أكثر من السابق، لا سيما بعد ازدياد حالته سوءاً.

في المقابل، يوضح رئيس النقابة الجهوية لعناصر وموظفي الشؤون الاجتماعية في محافظة القيروان فرج الخماري أنّ مركزاً جديداً لإيواء أصحاب الأمراض النفسية والعقلية سيفتتح قريباً بعدما خصصت له الدولة الاعتمادات اللازمة. وبذلك، سيكون المركز جاهزاً في الأشهر القليلة المقبلة لاستقبال الحالات. يضيف: "المركز سيستوعب ثلاثين حالة تقريباً".

أما في ما يتعلق بالمنحة التي كان يتمتع بها شكري، فقد بيّنت وزارة الشؤون الاجتماعية أنّه تمّ قطعها بعد التحاق والده بالعمل في أحد المساجد. فالقانون ينص على أن يتسلّم أحد أفراد العائلة المنحة عوضاً عنه. وقد مكنت الوزارة الوالد من تسلم المنحة لكن بعد حصوله على العمل صار من غير القانوني أن يحصل عليها. والوزارة اليوم تنظر في كيفية تقديم المنحة باسم الوالدة، حتى يتمكن شكري من الحصول على المبلغ كلّ شهر.

عائلة شكري لا تطلب شيئاً اليوم سوى تمكينها من المنحة التي كانت تغطي مصاريفه، مع الاهتمام أكثر بحالته التي لا تختلف عن عشرات الحالات الأخرى، داعين الجمعيات الخيرية إلى الاهتمام أكثر بمثل هذه الحالات وتوفير مأوى لها لتوفير الرعاية الصحية والنفسية اللازمة.

اقرأ أيضاً: حقّ المعوّقين مهضوم في العمل
المساهمون