سوريون يتصالحون في الحروب

29 اغسطس 2017
تتناول العائلة الغداء (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -
تعد العلاقات العائلية متينة في المجتمع السوري بشكل عام، وهو ما يظهر من خلال تمسّك السوريين بالطقوس العائلية، كالاجتماع أيام العطل والمناسبات على الرغم من ظروف الحرب. وهذا لا يعني أنه ما من خلافات بين أفراد الأسرة الواحدة. وقد يصل الأمر إلى القطيعة بين الأشقاء، أو بين الآباء والأبناء، وقد تصل هذه القطيعة أحياناً إلى سنوات. لكن يبدو أن ما لم تصلحه الحوارات والوساطات العائلية بين الأقارب "الأعداء" قد تصلحه ظروف الحرب.

الإخوة الأعداء

خليل ومروان شقيقان يعيشان في مدينة أريحا في ريف إدلب. على مدى خمسة أعوام، لم يكلّم أحدهما الآخر. يقول خليل: "خلافنا قديم. منذ جاء مروان إلى هذه الدنيا، تغيّرت معاملة والديّ لي أو هكذا ظننت في قرارة نفسي. كنت أغار منه في طفولتنا، على الرغم من أنني أكبره بست سنوات. كان يحظى برعاية استثنائية لم أحظ بها. مع الوقت، صارت علاقتي به جيدة، على الرغم من استمرار الغيرة. وقبل نحو عشر سنوات، قرّر والداي توزيع الأراضي والمحال بيننا من دون أن يكونا عادلين. لمته لأنه قبل بالأمر، وحلّت القطيعة. كنت أعتقد أنها أفضل حل لي لأخلّص نفسي من التفكير بهذا الأمر".

يضيف خليل: "أهل المدينة كانوا يعرفون أننا شقيقان على الورق فقط. ألتقيه في الطريق ولا نتصافح. كنت أشعر بألم. لا أحد يدعونا إلى المكان نفسه، وقد أصبح عدوي فعلاً. في أيام العيد، يزور أهلي في اليوم الأول وأزورهم في اليوم الثاني، حتى إن ولديّ لم يعرفا عمهما أو أولاده".

طوال السنوات الخمس، فشلت محاولات الوالدين والوساطات العائلية في جمع خليل ومروان في غرفة واحدة، وحتى بعد وفاة والدتهما. وفي بداية عام 2014، باتت المدينة تتعرّض إلى قصف جوي من قبل قوات النظام. يقول خليل: "تحولت المحال التجارية التي نملكها إلى خربة. ذلك لم يحزنني كثيراً، وأدركت أنها لا تعنيني، ولم تكن تستحق أن أخسر شقيقي من أجلها. بعد أيام عدة، سمعنا قصفاً طاول الحارة التي يسكن فيها مروان، واتصل بي شخص يخبرني أنه لا يعلم شيئاً عنه وعائلته. هرعت إلى مكان القصف. لم تكن عائلته هناك، لكن أخي كان عالقاً داخل المبنى الذي تهدمت واجهته. كانت دقائق صعبة. بدأت في إزالة الحجارة بمساعدة الناس. نجا أخي وقد أصيب بجروح بسيطة. منذ ذلك اليوم، عادت المياه إلى مجاريها بيننا".



تبرأت من أختي الوحيدة

تعد قرارات الزواج أحد أكثر المواضيع الخلافية في المجتمع السوري. يقول عيد، وهو شاب سوري يعيش في مدينة إدلب: "قبل نحو عشر سنوات، كنت مسافراً إلى لبنان للبحث عن عمل. كانت ظروفي سيئة ولم أكن أستطيع التواصل مع والديّ وشقيقتي الوحيدة شذى التي كانت علاقتي بها جيدة جداً. حين عدت، كانت قد ارتبطت بصديقي مهند. صدمت إذ لم يستشرني أحد ولم أحتمل الأمر. حصل كثير من المشاكل حينها بيني وبين أختي وزوجها. تبرأت منها، ولم أصدق أن الضربة الموجعة جاءت من أعز الناس إليّ. حاولت شذى التقرّب مني بعد زواجها لكنني لم أستطع تجاوز كل ما حصل".

من جهتها، تقول شذى: "كان يعاملني بلؤم فأردّ عليه بلؤم أكبر، ويصبح أي لقاء كارثياً. في إحدى المرات، كاد والدي يصاب بنوبة قلبية. منذ ذلك اليوم، قررنا ألا نلتقي. لم أحضر زفافه".
يتابع عيد: "بعد الحرب تغيّرت ظروف كل منا وتغيّرنا نحن. لم نعد نتكلم عن هذا الموضوع مع الأهل، وكنت أطمئن عليها عن بعد. لاحقاً، أصيب زوجها في إحدى الغارات الجوية، ولم يعد يستطيع العمل واضطرا للنزوح إلى قرية مجاورة. آلمني الموضوع وصرت أساعدهما عن بعد أيضاً. في إحدى الليالي، اتصلت بي أمي ليلاً لتطلب مني أن أقلها إلى المستشفى لتلد. كانت المعارك مشتعلة والطرقات مقطوعة. لم أفكر كثيراً وذهبت بها إلى المستشفى. كانت حالتها خطيرة لأنها وصلت متأخرة. مرت الأمور بسلام وأنجبت طفلاً حمل اسمي. شيئاً فشيئاً، عادت الأمور إلى طبيعتها بيننا. أعتقد أن كل ما حدث لم يكن يستحق، وما من أعز على قلبي من عيد الصغير".

إلى ذلك، توضح سهيلة علم، وهي متخصّصة في علم التربية والاجتماع، أن معظم الخلافات الأسرية التي تنشأ بين الأشقاء تعود جذورها إلى الطفولة". تضيف: "نلاحظ أن التعامل مع الخلافات العائلية يختلف بين عائلة وأخرى. بعض العائلات تعيش القطيعة لسنوات. في بعض الحالات، يسيء الأهل التعامل مع خلافات أطفالهم فيعتادون على عدم التسامح". تضيف: "من الطبيعي أن تغيّر الحرب مواقف الناس وأن يقتربوا بعضهم من بعض. الصدمات القوية التي يعيشها الإنسان تجبره على إعادة التفكير من زاوية أخرى ربما أكثر عاطفية، لكنها ليست السبب الحقيقي للصلح، بل هي الرغبة الحقيقية داخل الإنسان في هذا الصلح، لتصبح الحوادث أو الظروف مجرد مبرر أو فرصة لكسر الحواجز".