"السلاح المنفلت في البصرة يعادل ترسانة فرقتين عسكريتين"، هذا ما قاله قائد شرطة المحافظة، الفريق رشيد فليح، الذي لم يخفِ حاجته للمساعدة من قبل بغداد في ضبط ظاهرة السلاح المنتشر بيد العشائر والجماعات المسلحة، في المدينة المطلة على مياه الخليج العربي جنوبي العراق.
وعادت ظاهرة المعارك والاشتباكات المسلحة بين العشائر في البصرة وميسان وذي قار مجددا، بعد أسابيع من هدوء استشعره السكان. وشهدت البصرة، في اليومين الماضيين، اشتباكات عنيفة بين عشائر، في بلدة كرمة علي ضواحي البصرة الشرقية، استخدمت فيها أسلحة ثقيلة ومتوسطة، مثل المدافع وقذائف الهاون والصواريخ المحمولة على الكتف.
وقال مسؤولون في المحافظة إن تزايد انتشار السلاح تم بعد الحرب على "داعش"؛ إذ نقلت مليشيات مسلحة وتجار سلاح ما تركه التنظيم خلفه نحو مدن الجنوب، وافتتحت سوقا سوداء له، كما يطلق عليه في الجنوب.
وتعجز الشرطة في البصرة وذي قار وميسان والقادسية ومدن جنوبية أخرى عن فض النزاعات بين العشائر عند حدوثها بسبب حجم وكثافة النيران، ما يستدعي تدخّل الجيش العراقي لفض الاشتباكات التي تندلع عادة بسبب مشاكل على مياه الري، أو خلافات على الأراضي، أو حتى ثأر قديم تجدد بسبب ضعف القانون في العراق بعد 2003.
وأكد قائد شرطة البصرة، الفريق رشيد فليح، ليل أمس الثلاثاء، في لقاء عبر قناة تلفزيونية محلية، أن "الاشتباكات العشائرية تعود إلى نزاع مسلح سبق أن وجد طريقه إلى الحل، وأجرى الصلح بشأنه قبل أسابيع، لكن شخصاً من أحد هذه الأطراف خلق مشكلة، وارتدّت الأمور إلى مربعها الأول".
وبيّن أن "البصرة تحتاج إلى قوات كبيرة للسيطرة على مثل هذه المشاكل، والقوات الأمنية تحتاج إلى نصف ساعة أو أكثر للوصول إلى مناطق النزاع العشائري".
وأضاف "لا أستطيع إقحام القوات الأمنية تحت نيران الأسلحة الثقيلة، حفاظاً على أرواحهم، والجميع يتحمل مسؤولية وجود السلاح لدى العشائر الذي يجب سحبه، ووقف إغراء المواطنين بخفض أسعار السلاح، وإجراء موازنة خاصة لشراء السلاح، وإصدار قرار صارم وملزم لحاملي السلاح".
ووفقا لمصادر طبية في وزارة الصحة العراقية، فإن 200 عراقي قُتلوا جنوب ووسط البلاد، خلال العام الماضي، بسبب الاشتباكات والثأر العشائري. وتتصدر البصرة وميسان بقية المدن في معدل تلك الحوادث. وبحسب مسؤول في الوزارة، فإن هذا العدد قد يكون أعلى في حال تم احتساب الضحايا في القرى التي لم تدرج الخسائر فيها.
مسؤول عراقي في بغداد أكد، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "مشكلة السلاح في الجنوب العراقي تحتاج إلى برنامج يتبناه البرلمان وتدعمه المؤسسة الدينية والعشائرية وليس الحكومة فقط"، مبينا أن "القوات العراقية واجهت القوة خلال محاولتها سحب سلاح عدد من العشائر، وتراجعت حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة ويسقط ضحايا"، مؤكدا أن العشائر تمتلك أسلحة ثقيلة ومتوسطة لا ينبغي وجودها سوى لدى الجيوش.
وقال الشيخ حسن المياحي، وهو أحد شيوخ المحافظة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القوات الأمنية انتشرت قرب مكان الاشتباكات، لكنّها لم تستطع أن تتدخل بما تمليه عليها المسؤولية، بسبب ضخامة النيران التي تخرج من الجانبين"، مبينا أنّ "الإجراءات الأمنية ما زالت خجولة في هذا الإطار، ولم تتعدّ الانتشار الأمني ومحاولات الترضية بين العشائر".
وأشار إلى أنّ "التهديد العشائري سيبقى قائما في البصرة ما دامت هناك أسلحة بكميات كبيرة لدى العشائر. وعلى الحكومة المركزية والمحلية أن تتخذ إجراءات لتجريد العشائر من أسلحتها، لضمان أمن واستقرار المحافظة"، مؤكدا أنّ "سلطة العشائر اليوم فوق سلطة القانون في البصرة، ولا يمكن أن يستمر الحال على ما هو عليه".
الخبير الأمني والمختص في شؤون البصرة، سعيد المياحي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "العشائر تعتبر السلاح أحد مقومات وجودها، وهذا أصبح مبدأ مع انعدام الأمن وضعف الدولة في العراق عقب الغزو الأميركي للبلاد".
وأضاف "كان لديها أسلحة نعم، لكنها كانت خفيفة ومحدودة، لكن بعد الحرب الأخيرة ضد داعش نقلت المليشيات كميات ضخمة من تركة التنظيم ومخلفاته الحربية التي تركها في الشوارع والمدن الشمالية والغربية إلى الجنوب، وباعوها هناك بأسعار رخيصة".
وأكد أن بعض العشائر تمتلك صواريخ يصل مداها إلى أكثر من 20 كلم، ومدافع 120 ملم ومدافع ميدان ومضادات طيران، وأغلبها روسية الصنع، والدولة تحتاج إلى حملة قد تضطر قوات الجيش للدخول في مشاكل من أجل انتزاعها من العشائر".