مياه مالحة "للشرب" في أكبر واحات المغرب

02 اغسطس 2016
من قرية إلى أخرى طلباً للماء (العربي الجديد)
+ الخط -

أزمة المياه في إقليم زاكورة المغربي قديمة ولا تجد حلاًّ فعالاً، ما يضطر الأهالي إلى الانتقال إلى أماكن بعيدة طلباً لمياه الشرب. بل إنّ كثيرين من بينهم باتوا يعتمدون على المياه المعدنية التي راج بيعها.

يتحوّل طعم الشاي أو القهوة في إقليم زاكورة المغربي (شرق) وقراه إلى طعم مالح بالرغم من السكر المضاف إليها. سبب ذلك رداءة المياه التي يزودها المكتب الوطني للماء والكهرباء لأهالي المنطقة من دون أن يجد للمشكلة حلاً جذرياً يخفف عن الناس معاناتهم اليومية في البحث عن المياه الحلوة.

ترشد اللافتات النادرة على جنبات الطرق أهالي المنطقة إلى "الماء الحلو" بعدما بات من المستحيل شرب المياه التي تصل إليهم. هم يستخدمونها اليوم في غسل الأواني وتنظيف البيوت لا أكثر.

مشكلة المياه تمتد سنوات طويلة بحسب ما يقول رئيس مجلس جماعة ترناتة داخل الإقليم، إبراهيم واعري لـ"العربي الجديد": "إقليم زاكورة بأكمله يعاني من مشكلة المياه المالحة منذ 20 عاماً تقريباً، وبالرغم من توفر صهريج وشبكة للمياه تصل إلى البيوت إلا أنّ مشاكل تقنية جعلت المياه تصل متقطعة أو لا تصل بتاتاً، ما دفع المواطنين إلى اعتماد أدوات تقليدية لجلب الماء من مناطق بعيدة".

يعتبر توفير المياه الصالحة للشرب من الأولويات التي ينادي بها سكان المنطقة قبل توفير المدارس أو الإنارة أو غير ذلك من الخدمات. دعاهم الأمر إلى الاحتجاج قبل سنوات مطالبين بتوفير الماء. يقول واعري: "بدأ مجلس الجماعة مخططاً لتوفير المياه من خلال بناء خزّان ماء لكل دوّار (قرية) بالإضافة إلى حفر آبار استكشافية مجهزة بالطاقة الشمسية، وقد رصدت لذلك ميزانية تقدر بـ76 مليون سنتيم (نحو 78 ألف دولار أميركي)، فضلاً عن توقيع الجماعة اتفاقيات شراكة مع الجمعيات التي تشرف على حفر الآبار الجوفية في المنطقة من أجل التعاون على حلّ مشكلة المياه".

يشير شهود إلى أنّ سبب ملوحة المياه اقتراب مصادرها من واحات وادي درعة وهي آتية من جبال الأطلس. وقد يلحظ المسافر على طريق الواحات تجمعات السكان حول الآبار الجوفية آتين من مسافات بعيدة إمّا باستخدام الدواب أو الدراجات الثلاثية العجلات أو سياراتهم الخاصة لتعبئة أوانيهم الفارغة.

من هؤلاء طفل التقت به "العربي الجديد" جاء من قرية زاوية القادري التي تبعد كيلومتراً عن البئر. يقول: "آتي أسبوعياً لتعبئة 20 وعاء، أنقلها على دابتي". هذا الطفل الذي يدرس في الصف السادس يأتي مع عمّه أحياناً. ويضيف: "كلّ قريتي تأتي إلى هنا للحصول على الماء الحلو".




تتولى جمعيات تنموية تنتشر في المنطقة حفر آبار جوفية، وتوفرّ الماء للسكان مقابل سعر رمزي. يقول مختار النفراوي وهو حارس أحد الآبار لـ"العربي الجديد": "كل فرد يمكنه الحصول على الماء بمقابل رمزي، ويمكن لهؤلاء الأشخاص أن يشتروا 25 لتراً بـ5 دراهم (نصف دولار تقريباً)". يشكو النفراوي مثله مثل غيره من ندرة المياه في المنازل. يقول: "المياه تنقطع لمدة تصل إلى 4 شهور، كما أنّ المزروعات الجديدة مثل البطيخ تستهلك المياه الحلوة. وبالرغم من أصوات مؤسسات مدنية خرجت تطالب بتقنين هذه المزروعات إلّا أنها لم تفلح في ذلك".

يؤدي فقر زاكورة السياحية بالمياه إلى مشاكل أكبر أولها الهجرة. يوضح واعري: "حين لا تتوفر مياه في المناطق الحضرية يهجرها سكانها. كما يفاقم ذلك المعاناة اليومية في رحلة البحث عن الماء وتأثيرها سلباً على الأطفال وانقطاعهم عن الدراسة، بالإضافة إلى ارتفاع حدة أزمة النظافة الشخصية والمنزلية".

يقول رئيس المجلس الإقليمي للسياحة أحمد شهيد لـ"العربي الجديد": "الواحات في جنوب شرق المغرب تعاني من الهشاشة بسبب وقوعها على تخوم الصحراء وندرة سقوط الأمطار التي لا تتجاوز 400 ملمتر فوق جبال الأطلس لتصل إلى وادي درعة (أطول وادٍ في المغرب)، إلّا أنّها أمطار موسمية. وهو ما زاد نسبة التصحر، وأدى إلى تغيير النظام الإيكولوجي في المنطقة، ما أدى إلى جفاف بعض البحيرات مثل بحيرة إيريكي". يضيف: "أدت السلوكيات الجديدة في استخدام المياه إلى التبذير فيه، مثل استخدام دشّ (رشاش) للاستحمام، ما يضغط على مصادر المياه، فضلاً عن ضعف وسائل التوعية".

تجدر الإشارة إلى أنّ القبائل في جنوب شرق المغرب قديماً كانت تلجأ إلى تدبير المياه من خلال توظيف عامل يتولى السهر على تنظيم المياه داخلها. ويجب أن يلتزم الجميع بأوامره، كي لا تؤدي مخالفة واحدة إلى معاقبة 40 شخصاً. أما الآن، فالجماعات المحلية أو المكتب الوطني لتزويد المياه والكهرباء يتوليان ذلك.

يؤكد شهيد أنّ "المياه في زاكورة ونواحيها مالحة، لا تصلح للشرب، لذلك يُقبل السكان على شراء المياه المعدنية التي أصبحت تجارة رائجة ورابحة في المدينة".