"لا لأبناء الجنوب"... ولاية الخرطوم تطرد اللاجئين

06 مارس 2017
الخطوة تضرب آمال إعادة الوحدة (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
تبدأ ولاية الخرطوم إجراءات تستهدف اللاجئين، خصوصاً مواطني جنوب السودان، إذ تنوي ترحيلهم إلى ولايات أخرى خارج حدود العاصمة. يترافق ذلك مع إجراءات الحكومة المركزية تجاه الإثيوبيين والإريتريين

قضية اللاجئين الأجانب في السودان همّ رئيس لحكومته إذ بدأت أخيراً إجراءات لضبط انتشار هؤلاء. من جانبها، تبدو حكومة ولاية الخرطوم الأكثر رفضاً لمخيمات اللاجئين فيها، فهي تعتبر أنّ تلك المخيمات تشكل ضغطاً على الخدمات وتؤدي إلى مظاهر سلبية واضطرابات أمنية ومشاكل صحية. هذه التبريرات دفعتها إلى العمل رسمياً على إخلاء العاصمة من تلك المخيمات.

عملياً، تحتضن مخيمات اللجوء المتفرقة في أطراف العاصمة مواطني دولة جنوب السودان الذين فروا من الحرب الأهلية في دولتهم قبل أكثر من أربعة أعوام، بالإضافة إلى أولئك الذين فروا من المجاعة التي ضربت مناطقهم تأثراً بتلك الحرب، ما يعني أنّ الفئة المستهدفة بقرار الإخلاء تحديداً يمثلها لاجئو الجنوب. يذكر أنّ عام 2011 شهد انفصال جنوب السودان عن السودان، وتكوين دولته المستقلة عقب عملية استفتاء اختار فيها أهل الجنوب قرار الانفصال، بعد اتهامات للجزء الشمالي بتهميشهم ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية.

الجنوبيون أجانب
من جهتها، تؤكد مصادر لـ"العربي الجديد" أنّ قرار ترحيل مخيمات الجنوبيين من العاصمة صدر بالفعل وبدأت الترتيبات والتفاهمات مع الولايات المقترحة لتشييد مخيمات بديلة فيها. وتذكر أنّ إعلان الحكومة في جوبا رسمياً عن انتشار المجاعة أعاق تنفيذ الخطوة لدوافع إنسانية في الوقت الحالي، وكذلك للحدّ من تأليب الرأي العام العالمي والمحلي ضد الحكومة في الخرطوم.

في تصريحات سابقة، أشار معتمد اللاجئين في الولاية، حمد الجزولي، إلى رغبة حاكم الخرطوم عبد الرحيم محمد حسين بإخلاء العاصمة من مخيمات اللاجئين لما يترتب على وجودها من مظاهر سلبية. وذكر أنّ هناك عدة مناطق مقترحة لإنشاء مخيمات بديلة في ولايتي النيل الأبيض والقضارف.

وتقدّر الحكومة أعداد اللاجئين في السودان بنحو مليونين، معظمهم من إثيوبيا وإريتريا بالإضافة إلى نازحي دولة الجنوب. ويقدّر الجزولي أعداد اللاجئين الجنوبيين في ولاية الخرطوم بنحو نصف مليون مشيراً إلى أنّ المسجلين فعلياً نصف هذا الرقم، وإن كانت عملية التسجيل مستمرة.

أخيراً، قررت الحكومة السودانية معاملة الجنوبيين كأجانب وتصنيفهم كلاجئين، بعدما كانت ترفض الخطوة وتتمسك بمعاملتهم كمواطنين سودانيين. عمدت الحكومة إلى فتح مخيمات اللجوء للجنوبيين في الولايات الحدودية واستخراج بطاقات لاجئين لهم، وهو ما يقيّد إقامتهم في المخيمات ويسحب منهم حق التنقل من مكان إلى آخر بحثاً عن عمل.

كذلك، أعلنت ولاية الخرطوم مطلع الشهر الجاري عن حزمة من القرارات والإجراءات لضبط الوجود الأجنبي في العاصمة، ومراقبة حركة الأجانب (اللاجئين). بدأ تنفيذ ذلك من خلال إحكام السيطرة على المعابر الرئيسية للحدّ من انتقال اللاجئين إلى العاصمة، والحدّ من تدفقهم. وقد عممت قرارات بوقف دخول أي أجنبي إلى العاصمة من دون أوراق ثبوتية، بينما ينتظر أن تصدر جملة من اللوائح الجديدة لتنظيم الوجود الأجنبي وإحكام الإجراءات الصارمة لدخولهم من المعابر كافة.


احتجاج إثيوبي
على صعيد متصل، بدأت الحكومة السودانية تنظيم الوجود الإثيوبي والإريتري في البلاد، عبر إصدار بطاقات مؤقته تسمح لهم بالإقامة لمدة ستة أشهر برسوم تصل إلى 300 جنيه (47 دولاراً أميركياً) قبل أن تطيل المدة إلى عام كامل وترفع الرسوم إلى 2000 جنيه (311 دولاراً). وهو ما أثار حفيظة الإريتريين والإثيوبيين، وقاد رعايا إثيوبيا إلى التظاهر أمام سفارة بلادهم قبل أيام وإغلاق الطريق الرئيسي نحو قلب الخرطوم، احتجاجاً على زيادة الرسوم. وقابلت القوى الأمنية هذه الاحتجاجات بشدة وأوقفت 61 متظاهراً إثيوبياً وقدمتهم إلى محاكمات عاجلة قضت بتغريم كلّ منهم 5 آلاف جنيه (778 دولاراً) أو السجن أو الإبعاد في حال عدم سداد الغرامة.

من جهتها، دافعت وزارة الداخلية السودانية عن تعديل الرسوم، واعتبرت المبلغ بسيطاً مقارنة بصلاحية البطاقة لمدة عام بدلاً من ستة أشهر. واعتبرت الخطوة مهمة لتنظيم الوجود الأجنبي. وقال المسؤول في إدارة شؤون الأجانب في الداخلية ياسين محمد الحسن: "لا أعتقد أنّهم سيعجزون عن سداد المبلغ. كذلك، لا خيار أمامهم، فإمّا استخراج البطاقة بالرسم المقرر أو مغادرة البلاد". وقال إنّ البطاقة، التي شبهها بالجواز المؤقت الذي تصدره الدول الغربية للاجئين، ذات أهمية قصوى في ضبط الوجود الأجنبي وحفظ الأمن في البلاد.

دور أوروبي
أكد الحسن أنّ البلاد "تكتوي بالوجود الأجنبي غير الشرعي، ولا سيما من دول القرن الأفريقي والدول التي ليس لها حدود مباشرة مع السودان". واعتبر الوجود الإثيوبي والإريتري مؤقتاً إذ يتخذ رعايا الدولتين من السودان محطة لتأمين أوضاعهم قبل الانتقال إلى دول أوروبا أو الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وكان السودان قد عقد تفاهمات مع دول أوروبية لمكافحة الاتجار بالبشر والحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، باعتبار السودان دولة معبر. ورصد الاتحاد الأوروبي نحو 60 مليون يورو لمواجهة قضية الهجرة غير الشرعية، ينتظر أن يستفيد السودان من تلك المنحة، لا سيما مع بدء إجراءات فعلية للحد من الهجرة عبر نشر قوات على الحدود مع ليبيا للحد منها، فضلاً عن إصدار البطاقات المؤقتة للإثيوبيين والإريتريين بهدف تقنين وجودهم.

وبحسب المصادر، فإنّ هناك اتفاقاً سودانياً- أوروبياً لتوطين اللاجئين في السودان، بالإضافة إلى مشروع مرتقب لتوفير سبل العيش الكريم لهم بما يجعل من السودان أرض جذب للاجئين ما يحدّ من تفكيرهم بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. وأكدت المصادر أنّ تنفيذ المشروع يعرقله تأخر التسوية السياسية في السودان وحلّ مشكلة الحرب في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.

غبن
في المقابل، يعتبر مراقبون أنّ الخطوات الحكومية من شأنها أن تفاقم الأزمة، وتعرقل جهودها للسيطرة على الوجود الأجنبي، فرفع سعر رسم البطاقة إلى 2000 جنيه سيقود إلى تهرّب عدد كبير من الإثيوبيين من التسجيل. كذلك، يعتبرون أنّ قرار إخلاء العاصمة من مخيمات اللجوء وإبعاد الجنوبيين من شأنه أن يحدث شرخاً في العلاقة بين الدولتين والشعبين.

في هذا الإطار، يقول الخبير في القانون الدولي معز حضرة لـ"العربي الجديد" إنّ خطوة حكومة الخرطوم بإخلاء المخيمات غير موفقة: "السودان صادق ووقع على عدد من الاتفاقيات الدولية التي تحكم اللاجئين وصفتهم الرسمية في بلد اللجوء وكيفية التعامل معهم، وهي بمثابة قانون داخلي لا يجوز نقضه أو تغييره". يشدد: "بالتالي، لا يجوز لحاكم الخرطوم استهداف فئة معينة من اللاجئين واستبعادهم من العاصمة، فطالما دخل اللاجئ العاصمة لا تستطيع الحكومة إخراجه باعتباره نوعاً من الإضرار به. كذلك، فإنّ التمييز مخالف للقوانين الدولية". يتابع: "الإجراء السليم هو احترام القوانين والمعاهدات الدولية، بل من الواجب أن تولي الحكومة السودانية أهل جنوب السودان عناية خاصة بالنظر إلى الروابط والتاريخ المشترك".

على الصعيد الشعبي، أحدثت خطوة ولاية الخرطوم انقساماً وسط السودانيين، فقد اعتبر البعض الخطوة بمثابة عقاب للجنوبيين الذين اختاروا الانفصال بأغلبية ساحقة قبل سنوات. وقال هؤلاء إنّ الخطوة من شأنها أن تطيح بآمال كثيرين في عودة الوحدة بين البلدين، وتبشر بمزيد من سوء العلاقات.

عن ذلك، يبدي اللاجئ الجنوبي في الخرطوم جون حزنه بقرار إبعاد مخيمات الجنوبيين من العاصمة: "عند اندلاع الحرب في بلدنا، لجأنا الي السودان وقطعنا آلاف الأميال مشياً كي نبحث عن الأمن والحياة، فنحن ما زلنا نشعر أنّنا بلد واحد وأنّ الانفصال سياسي فقط ". يضيف: "السودان هو الأقرب إلينا وجدانياً، ونريد أن يبقى كذلك، بدلاً من محاسبة المواطن الجنوبي على ما يجري بين الحكومتين".

يعتب البعض على الغبن الذي يطاول الجنوبيين، فيما غيرهم ينالون حقوقهم. يأتي ذلك خصوصاً بعد إعلان السودان قبل فترة عن فتح باب التجنيس لمواطني ست دول هي سورية والعراق وفلسطين واليمن وليبيا وبورما. وقد بدأت جاليات وسفارات تلك الدول بإبلاغ رعاياها بالخطوات المطلوبة لنيل الجنسية السودانية بحسب مصادر "العربي الجديد".

المساهمون