ألمانيا نحو استقطاب المهاجرين ذوي الكفاءة

23 يناير 2018
تطالب بالمساواة بين اللاجئين (بيرند ثيسن/ فرانس برس)
+ الخط -
في ظلّ نقص اليد العاملة المتخصّصة في ألمانيا، توصّلت الأحزاب الرئيسية في البلاد، ومنها تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل، والحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة مارتن شولتز، إلى توافق لوضع أسس تنظيم قانون هجرة عصري طال انتظاره، يسمح باستقطاب أصحاب الخبرات والعمال المؤهلين من خارج البلاد، إضافة إلى احتمال تضمّن القانون حوافز لأصحاب الكفاءات من دول الاتحاد الأوروبي. هذا التوافق حصل خلال المحادثات لتشكيل الحكومة، بحسب ما ذكر عدد من الأوساط السياسية والإعلامية.

وكان وقْعُ التوافق على خبراء في الشؤون السياسية والاقتصادية الألمانية إيجابياً، انطلاقاً من أنه حان الوقت لكسر الأوهام المتعلّقة باللجوء واللاجئين. بالتالي، يجب أن يكون عنوان عام 2018 "وداعاً للأوهام حول الهجرة والاندماج"، والتركيز على الهجرة غير المنضبطة في عام 2015، منتقدين كلّ الذين حذروا من أن الحدود المفتوحة قد تكون دافعاً للإرهاب والجريمة، وهي الفكرة التي تبيّن أنها تنم فقط عن كراهية للأجانب على الرغم مما حصل من اعتداءات وهزّات أمنية طاولت كلاً من ألمانيا وأوروبا. ويرون أن قانوناً مماثلاً هو إشارة إلى العالم مفادها بأن العمال المهرة من الأجانب هم موضع ترحيب في برلين، مع اعترافهم بالصعوبات التي تواجه الشركات في البلاد للعثور على مرشحين مناسبين من الخارج. وقد تكون اللغة عائقاً أساسياً في المجالات المهنية على غرار التمريض، أو في قطاع سكك الحديد مثلاً.

إلى ذلك، يقول هؤلاء إن إغلاق الحدود وترحيل اللاجئين لن يعيدا مرة أخرى كل شيء إلى ما يرام، وهو الوهم الذي يعيشه الحزب اليميني الشعبوي (حزب البديل لألمانيا)، لأن ألمانيا، البلد الصناعي، في حاجة إلى المهاجرين. ولا يمكن للبلاد الحفاظ على الإنتاجية من دون المهاجرين. ويطالبون بالسعي إلى التنافس على المهاجرين المؤهلين، بعد وضع الإطار التنظيمي لقانون الهجرة، لافتين إلى أنه خلال مفاوضات جامايكا التي باءت بالفشل، والتي خاضها الاتحاد الديمقراطي المسيحي مع حزبي "الليبرالي الحر" و"الخضر" خلال خريف عام 2017، لم يعارض الحزب الشريك للمستشارة ميركل المسيحي الاجتماعي، والمناهض لفكرة اللجوء، إقرار قانون مماثل، بل وافق على أسس هذا المشروع.



في هذا الإطار، يحذّر باحثون في علم الاجتماع من أن نظام رواتب التقاعد في ألمانيا بات في خطر. في عام 1990، كان 15 في المائة من الألمان فقط فوق الـ 65 من العمر، أما اليوم، فارتفعت النسبة إلى 22 في المائة، وقد ترتفع إلى 33 في المائة في عام 2050. لذلك، لا بد من خطة، علماً أن سياسة الهجرة الحالية لا يمكن أن تعوض معدلات الولادات المنخفضة منذ عقود. من هنا، يتوجّب على ألمانيا تعزيز جهودها، وإتاحة الهجرة لأصحاب الكفاءات، لضمان تحقيق النجاح في سوق العمل. من جهة أخرى، شدّدوا على أهمية وضع سياسة هجرة صارمة في ما يتعلق بتقييم البيانات الخاصة والتحقق من هوية كل فرد.

إلى ذلك، أشارت صحيفة "دي فيلت" مؤخراً إلى أنه يتوجّب على ألمانيا استقبال 40 مليون مهاجر بحلول عام 2035، خصوصاً من أصحاب الكفاءات التعليمية المؤهلة. وبينت أن أعداد الذين يأتون من بلدان أخرى على غرار الاتحاد الأوروبي وأوروبا الشرقية وآسيا إلى سوق العمل في ألمانيا لم تعد كبيرة. بدلاً من ذلك، يأتي مهاجرون من الدول العربية وأفريقيا، ومعظمهم غير مؤهّلين كما يجب، ولا يتقنون اللغة الألمانية.

ووفقاً لتقرير نشرته "راينشه بوست" مؤخراً، فإن عدد الذين يصلون إلى ألمانيا من خلال البطاقة الزرقاء التي تخوّل المهنيين العمل والعيش في ألمانيا لمدة أربع سنوات، آخذ في الازدياد، وقد ارتفع عدد تصاريح العمل والإقامة التي أصدرت بشكل مطرد، خصوصاً لأشخاص من دول العالم الثالث والمؤهلين تأهيلاً عالياً.

وتشير بيانات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين إلى أنه في عام 2016 منحت ألمانيا 17 ألفاً و362 إقامة، في وقت وصل العدد، خلال النصف الأول من عام 2017، إلى 11 ألفاً و23 إقامة، وتتحدر غالبيتهم من بلدان مثل الهند وروسيا وأوكرانيا وسورية، على الرغم من أن نظام هذه الإقامة يفرض ألا يقل الراتب وفقاً لعقد العمل عن 50 ألفاً و800 يورو. أما المهن التي تواجه نقصاً في عدد العمال، مثل الهندسة والطب والبرمجيات، فيقدر الراتب السنوي فيها بـ 39 ألفاً و624 يورو.

وفي تقرير صادر عن مكتب الإحصائيات الاتحادي الألماني، فقد زاد عدد اللاجئين في ألمانيا خلال السنوات الماضية، ليصبح 22.5 في المائة من مجموع سكان البلاد. والتقرير الذي أعدّ على أساس التعداد الجزئي لعام 2016، يشير إلى أن نحو 18.6 مليون شخص يعيشون الآن في ألمانيا مهاجرون. وارتفع هذا المؤشر بنسبة 8.5% بالمقارنة مع العام الماضي، ليسجل بذلك مستوى قياسياً جديداً.

المساهمون