المنظومة الصحية في مصر... مبادرات بلا استراتيجيات​

31 يناير 2019
أوضاع المستشفيات المصرية متردية (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

تعيش مصر حالياً زخم "زفة" إعلامية تتناول المبادرات الصحية الحكومية التي تبشّر بتخفيف معاناة المرضى، بتمويل من التبرعات التي يجمعها صندوق "تحيا مصر"، في حين تعاني المنظومة الصحية من تدهور مستمر يشعر به المواطنون والفريق الصحي.

وأبرز أسباب التدهور يتمثل في نقص موازنة الصحة، وبالتالي اختفاء عناصر البنية التحتية من مبانٍ وتجهيزات وأدوات ومستلزمات، مع الارتفاع المتواصل في أسعار الأدوية، واختفاء كثير من الأصناف الحيوية، خاصة أدوية الأمراض المزمنة، كما يعاني الفريق الصحي من سوء بيئة العمل، وتدني الأجور، ونقص التدريب.

وللحقيقة، فإن المبادرات لا تعدو أن تكون مجرد إجراءات لحظية قد تنتج عنها حالة نجاح جزئية تجذب الأنظار؛ لكنها لا تغيّر كثيراً من الواقع المتردي.

وتعاني مبادرة "نور حياة" لمكافحة العمى، كمثال، العديد من المشكلات بسبب تعدد الأمراض التي تصيب العيون، ومنها المياه البيضاء والزرقاء، ومشاكل القرنية والعدسات والشبكية وغيرها، وهي تتطلب توفير قاعدة بيانات واضحة ومحددة، والعمل في إطار واضح لتحقيق الأهداف، ومن المهم تحديد عدد الذين يعانون من ضعف الإبصار، وتوفير العلاج اللازم لحالاتهم، كما أن الفحص الطبي لا بد أن يكون في مراحل مبكرة للأطفال، لأنهم حين يصلون إلى المدارس قد يعانون من ضعف الإبصار، ما يسبب إحباطهم. مع ضرورة الفحص بعد الولادة وليس عند دخول المدارس، فضلًا عن أهمية تطبيق آليات التنفيذ في القطاع الخاص والحكومي والجامعي في الوقت ذاته.

ووقّعت مصر على اتفاقيات دولية لمكافحة العمى القابل للعلاج بحلول عام 2020، ولكن هذه الاتفاقيات ليست مفعّلة بالطريقة الصحيحة بسبب نقص الاعتمادات المالية التي تضمن الاستمرار، ولا بد من تسخير كافة الموارد الحكومية، وليس الاعتماد على التبرّعات.

أما مبادرة إنشاء ألف وحدة غسيل كلوي بمبلغ مليار جنيه من تبرعات صندوق تحيا مصر، فإنه قد يتم شراء الماكينات وتركيبها، ولكن هذا لا يعني كفاءة التشغيل، نظراً إلى غياب استمرارية التمويل لتوفير الصيانة الدورية اللازمة، وكارثة وفاة مرضى الغسيل الكلوي في مستشفى ديرب نجم شرقية في منتصف شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، بسبب سوء الصيانة، ما زالت حاضرة، كما أن المبادرة لم تذكر كيفية توفير الأعداد اللازمة من أعضاء الفريق الطبي المدرب، ولم تذكر شيئاً عن توفير مستلزمات التشغيل وديمومة وجودها، خاصة أن التمويل مصدره غير دائم ويرتكز على تبرعات المواطنين.

ويرتكز إصلاح المنظومة الصحية على زيادة موازنة الصحة لضمان استمرار تقديم الخدمة، لأن التبرعات ليست مصدراً يمكن الارتكاز عليه في التمويل، خاصة أن دستور 2014 وضح الحد الأدنى لموازنة الصحة بما لا يقل عن 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، بما يوازي 155 مليار جنيه على الأقل للعام الحالي 18/2019، في حين أن المبلغ المعتمد فعليّاً هو 62.5 مليار جنيه فقط، ويشمل 16 مليار جنيه مخصصات للمياه والصرف الصحي، ما يعني أن المخصص للصحة فعلياً لا يتجاوز نسبة 1.2 في المائة فقط.

ومن ناحية أخرى فإن مشكلة النقص الحاد في أعداد الأطباء والتمريض باتت واضحة، وأجبرت وزيرة الصحة على إعلان أن 60  في المائة من الأطباء تركوا مصر إلى الخارج، وأعلنت نقيب عام التمريض عن الاحتياج إلى 100 ألف من أعضاء الهيئات التمريضية لسد العجز الذي يؤثر سلبا على كفاءة تقديم الخدمة الصحية، وجميع هذه الاحتياجات لا يمكن أن يتم حلها من خلال المبادرات.

ويلاحظ أن وزيرة الصحة المصرية تبدأ تصريحاتها بجملة نمطية مكررة؛ تقول: "بناء على التوجيهات الرئاسية وطرح المحددات الصحية فقد صدرت التعليمات"، وهذا يعني أن الوزيرة ليست لديها سياسة واضحة أو إجراءات عملية محددة في إطار جدول زمني، وتكتفي بالعمل بصفتها سكرتارية تستمع للتوجيهات، وتنفذ التعليمات بصورة جزئية مرحلية من دون وجود استراتيجيات، وفي غياب تام عن الواقع ومتطلباته.
دلالات
المساهمون