"رمز الثورة" و"البطل" و"أبو الغيرة" كلّها مع غيرها من عبارات كثيرة أخرى تمجيدية يطلقها متظاهرون على التوك توك، وسائقيها، في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، لما لهذه الدراجة من فضل في التحركات
منذ انطلاق التظاهرات في العراق، في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تبنى سائقو التوك توك، نقل المتظاهرين والمؤن إلى ساحات التظاهر مجاناً، فضلاً عن توليهم دور سيارات الإسعاف في نقل القتلى والجرحى ممّن وقعوا ضحية العنف المفرط لقوات الأمن ضد المتظاهرين. تحدى سائقو التوك توك جميع المخاطر، وباتوا رمز الثورة وأبطالها الغيارى.
اليوم، بعد تراجع مظاهر العنف في ساحة التحرير، يواصل سائقو التوك توك تقديم خدمات مختلفة للمتظاهرين، أبرزها نقلهم إلى مواقع التظاهرات. يقول حيدر كاظم، الذي يقود دراجة توك توك، إنّه يشعر بالفخر بسبب الاحترام الكبير الذي يظهره الناس له، مشيراً في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى أنّ "هذا شعور جميع زملائي سائقي التوك توك". حيدر شاب في الواحدة والعشرين، شارك في التظاهرات منذ انطلاقها، وتعرّض لإصابات عديدة من جراء اقتحامه مواقع خطرة بالقرب من قوات الأمن التي كانت تطلق الرصاص الحيّ باتجاه المتظاهرين: "لا بدّ من نقل الجرحى، ولم يكن هناك سبيل لغيرنا في نقلهم". يقول زميله حسين الذي ما زالت آثار جروح بادية في جسده: "انقلب التوك توك الذي كنت أقوده وأنا منطلق باتجاه متظاهر أصيب في قدمه. خشيت أن تعتقله قوات الأمن أو يموت إن لم أسعفه بسرعة، لكنّي تمكنت بمساعدة متظاهرين من رفع التوك توك وحملت المصاب وأوصلته إلى المستشفى".
مثل هذه القصص يعتبرها العراقيون "بطولات" كبيرة، مؤكدين أنّ هؤلاء السائقين يستحقون أوسمة شجاعة وتكريماً يليق بهم، ومبالغ مالية مجزية، ولا سيما أنّ شجاعة هؤلاء الشباب موثقة بمقاطع الفيديو التي التقطها المتظاهرون.
في ساحة التظاهر اليوم يعتبر التقاط الصور مع دراجات التوك توك ظاهرة بارزة. فـ"التوك توك حبيب العراقيين"، يقول مازن عطاوي، الذي يزور باستمرار ساحة التحرير "للمشاركة في التظاهرات ودعم المعتصمين فيها والمستمرين منذ أكثر من شهرين". يقول عطاوي لـ"العربي الجديد" إنّ سائقي التوك توك "يمثلون جيلنا - نحن الشباب - فهم ثوريون وطنيون لا يقدمون أيّ انتماء عرقي أو طائفي على الوطن. لذلك، يستحقون التقدير والاحترام الذي يحظون به الآن".
صور التوك توك أصبحت تشاهد اليوم في كلّ مكان في العراق، مرسومة على الجدران في الشوارع، وعلى هيئة ملصقات توضع في خلفيات أجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية، وملصقات توضع على زجاج السيارات وواجهات المحلات وكتب الطلاب، وميداليات للمفاتيح وهدايا ومجسمات مختلفة، بالإضافة إلى أنّ التوك توك يدخل في كثير من الحلي والأكسسوارات التي تتزين بها الفتيات، من قلائد وأساور وحلق، مما بات من المظاهر اللافتة أخيراً.
حيدر وحسين وسائر زملائهما من سائقي التوك توك، يعتبرون اعتزاز الناس بهم وتحولهم إلى رمز للبطولة يعشقه العراقيون "جائزة كبيرة"، ويؤكدون أنّهم يقابَلون على مدار اليوم بترحاب وحبّ وإعجاب. يقول حسين إنّ "عدداً كبيراً من المواطنين التقطوا صوراً معي برفقة التوك توك. ورأيت صوراً لي وأنا أقود التوك توك تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وصفحات الجرائد، والمواقع الإخبارية المحلية والعربية مع إشادة كبيرة بسائقي التوك توك".
هدايا مختلفة يتلقاها السائقون من المواطنين، خصوصاً زائري ساحة التظاهر، الذين لا تسمح ظروفهم الخاصة بالمشاركة باستمرار، بحسب حسين. يؤكد كلامه حيدر، الذي يقول إنّه تلقى هدايا عديدة، منها ملابس وحلويات فاخرة وساعة، بالإضافة إلى مبالغ "يفرضون علينا أن نأخذها". يضيف حيدر: "أوصلت امرأة من ساحة التحرير إلى خارج موقع التظاهر، وبعدما أشادت بسائقي التوك توك وبطولاتهم، وهي عبارات نسمعها باستمرار، أهدتني خاتماً كانت تضعه، وقالت: هذا هديتي لك، بعه وانتفع منه أو أهده إلى والدتك أو زوجتك في المستقبل". يتابع: "تفاجأت لاحقاً حين قيّمت الخاتم في محل المصوغات، بقيمته العالية جداً. كان أغلى هدية أتلقاها في حياتي وأثمن ما امتلكته يوماً".
كلّ تلك المواقف التي يعيشها سائقو دراجات التوك توك أشعرتهم بقيمة عالية في المجتمع، على خلاف الحال قبل انطلاق التظاهرات، إذ كان التوك توك غير مرغوب فيه بسبب تجاوز سائقيه القوانين المرورية وقيادتهم عكس اتجاه السير وتجاوزهم على الأرصفة للسير عليها، ويساعدهم في هذا غياب القانون الذي يحاسب هذه الدراجات، بالإضافة إلى أنّ عدداً كبيراً من العراقيين كانوا يرون في ركوب التوك توك تقليلاً من مكانتهم الاجتماعية. كلّ هذا زال الآن، ويعلق حسين: "يبتسم لي شرطي المرور، ويحييني سائقو السيارات الفخمة ويفسحون لي المجال لأمرّ من أمامهم. الإشادات أسمعها أينما أكن وأنا أقود التوك توك، هذا الاحترام والتقدير يلاقيه جميع سائقو التوك توك".
يتابع حسين، قائلاً إنّ عراقيين مغتربين يتصلون بهم ويتحدثون معهم ويعبّرون عن فخرهم واعتزازهم بجميع سائقي التوك توك: "كثيرون يلتقطون صوراً لنا لإرسالها إلى ذويهم وأصدقائهم المغتربين في الخارج، وبعضهم يطلبون منا أن نتحدث مع أشقائهم ومعارفهم المغتربين عبر الهاتف. كثيرون يجهشون بالبكاء وهم يتحدثون إلينا، فعبارات ومشاعر الحب التي نتلقاها نعجز عن وصفها".