أطفال سوريون لا يعرفون البحر

18 يوليو 2017
الأوضاع الأمنية تحول دون ارتياد الشواطئ (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -



للصيف الرابع على التوالي لم تتمكن أم معاذ (43 عاماً) من قضاء العطلة الصيفية مع عائلتها على شواطئ اللاذقية، المدينة التي ولدت وترعرعت وعاشت فيها قبل أن تنتقل إلى إدلب، مدينة زوجها.

وتقول أم معاذ: "لم أتخيل أني سأحرم يوماً أنا وأطفالي من الجلوس على شواطئ اللاذقية، فالبحر جزء من روحي، قبل الثورة كنا نقضي عطلنا الصيفية كلها في اللاذقية، حتى أن ولديّ الكبيرين تعلقا بالبحر مثلي، أما الصغيران فلا يعرفانه أبداً، يسألاني على الدوام، لماذا لم نذهب إلى البحر، لما لا نزور بيت جدي؟".

وتضيف "لم أر البحر منذ صيف عام 2012، ولم نعد نذهب إلى هناك، في البداية كان لدى زوجي مخاوف أمنية من الدخول إلى اللاذقية، وبعد سيطرة المعارضة على إدلب بات الأمر شبه مستحيل، خاصة على ولدي الأكبر وزوجي، بعد أن صارت اللاذقية مسرحاً للمليشيات والشبيحة".

حرمت الحرب الدائرة في البلاد وما رافقها من مخاطر أمنية وتوترات طائفية قسماً كبيراً من السوريين من زيارة الشواطئ السورية، التي كانت في السابق قبلة الاصطياف الأولى خلال موسم الصيف، وساهم في ذلك زيادة الأسعار وتراجع أحوال السوريين المادية.

وتقع السواحل السورية على طولها اليوم تحت سيطرة قوات النظام، ويعد الوصول إلى المدن الساحلية أحد أبرز العوائق التي تمنع الكثير من السوريين من السفر، بسبب الوقت الطويل الذي تستغرقه وسائل النقل على الطرقات وانتشار الحواجز والعصابات.

أسعار المسابح مرتفعة في اللاذقية (تويتر) 


ويقول شادي (32 عاماً) ويعيش في مدينة حلب "لم أر البحر منذ 6 سنوات، طفلي صار في الصف الأول وابني الثاني في الرابعة من عمره لم يريا البحر أبداً، لم نعد نفكر بالذهاب إلى البحر، الأمر مستبعد جداً، أول سبب هو المواصلات، فأسرع باص يستغرق نحو 10 ساعات، ويمر على 20 حاجزاً على الأقل، وليس هناك شيء مضمون على الحواجز، فالطريق هي عقوبة بحد ذاتها".

والسبب الثاني بالنسبة لشادي "غلاء الأسعار ونحن بالكاد نتدبر تكاليف حياتنا هنا. حتى قبل الأزمة كانت الأسعار في الشواطئ السورية غالية جداً، أذكر أن أهلي كانوا يوفرون المال طوال العام لنستطيع قضاء أسبوعين فقط على الشاطئ، كانوا يستأجرون شاليهاً واحداً لثلاث عائلات فما بالك الآن!".

صعوبة وصول بعض الأسر للشواطئ بسبب الحواجز الأمنية (تويتر) 


وأضاف "سافر أحد أصدقائي أخيراً من دمشق إلى شواطئ طرطوس وقضى ثلاثة أيام هناك مع عائلته، كلفته هذه الرحلة نحو 300 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 500 دولار". وأردف ساخراً "لو معي هذا المبلغ سأفضل أن أصرفه في شواطئ كان الفرنسية، فالأسعار متقاربة".

ويعود سبب الغلاء وفقاً لمحمد عطا الله، وهو تاجر سوري من مدينة اللاذقية، إلى الاستثمارات الخاصة التي تسيطر على الشواطئ السورية، ويقول: "شواطئ السوريين ليست لهم، تحولت كلها إلى شاليهات وفنادق ومطاعم فاخرة لرامي مخلوف وأشباهه، وإن لم تكن غنياً بما فيه الكفاية لن تجد لك مكاناً لائقاً على الشاطئ، وما تبقى من الشواطئ والشاليهات الشعبية التي كان يعتمد عليها السوريون، لم تعد صالحة، إذ تحول قسم كبير منها لمساكن مع بداية النزوح إلى المحافظة، وأخرى تقع في مناطق غير آمنة كرأس البسيط".

ويضيف "بسبب انتشار المليشيات والخطف في المناطق الساحلية صار الجميع يخاف السفر إليها، أسكن اليوم في قرية صغيرة قرب المدينة، تنقطع جميع وسائل المواصلات بين الريف والمدينة بعد الساعة الثامنة مساء بسبب الخطف، حتى في المدينة يلزم معظم المدنيين بيوتهم في الليل، لأن الشوارع تصبح مسرحاً لسيارات التشبيح".