طفلة أخرى ضحية الزواج

13 مارس 2016
قاصرات كثيرات جرى تزويجهن في دول اللجوء (الأناضول)
+ الخط -

في الشدائد، يعاني العنصر الأضعف أكثر من غيره. وعند العائلات السورية اللاجئة يتشكل هذا العنصر من الفتيات، خصوصاً الصغيرات. هو حال مريم التي تتهيأ للزواج وهي بعدُ طفلة.

تعيش الطفلة السورية مريم التي لم تتجاوز 14 عاماً، حالة من الضياع بعدما أخبرتها والدتها أنها ستزوجها الشهر المقبل من شاب يكبرها بـ13 عاماً. زيّنت لها الخطوة قائلة إنّه سيشتري لها كل ما تريده من ملابس ويطعمها الدجاج الذي حرمت من تذوقه طوال الأشهر الماضية.
الوضع المادي للعائلة سيئ جداً. بعد وفاة الوالد في سورية بمرض السكري، وزواج الإبنة الكبرى فاطمة في السادسة عشرة من جار أجبرتها الوالدة على الزواج منه واختفيا معاً قبل عام من دون أيّ أثر، لم يبقَ من العائلة إلاّ مريم وأمّها.

تقول الوالدة إنّ الفتاة لا يستر شرفها علم ولا شهادة ولا أهل، بل زوجها فقط. تتابع أنّ الفتاة تعتبر كبيرة عندما تصل إلى سنّ البلوغ، والدين لا يحرّم زواجها، أي أنّها ليست طفلة.

تعيش مريم مع والدتها في إحدى ضواحي العاصمة بيروت. تدفع الوالدة بدل إيجار للغرفة التي تسكن فيها مع مريم 200 دولار أميركي في الشهر الواحد. هي عاملة منزلية، لكنّه عمل يشعرها بالاشمئزاز، فذاكرتها معلّقة بماضٍ كان لها فيه منزل مع حديقة في سورية حيث كان يعمل زوجها في تجارة القطنيات. اندلعت الحرب السورية وسُرق متجره وهدم المنزل في حمص في المعارك والغارات الجوية كغيره في الحيّ. وانقلبت أحوال العائلة.

تشعر الوالدة بالحزن الكبير عندما تتحدث عن كلّ من تخلّى عنها من أقارب زوجها بعد وفاته. تقول إنّ قلوب أقاربها لم تتسع لها ولطفلتيها فقررت الهرب من سورية واللجوء إلى لبنان حيث دخلت البلاد بصورة شرعية ولجأت إلى مكتب الأمم المتحدة وسجلت اسمها وحالتها من أجل الحصول على مساعدات مادية وحصص غذائية لتعيل عائلتها.

اقرأ أيضاً: إذا كذبت يصير أنفي مثل "بينوكيو"

كانت تعتقد أنّ الحياة بعيداً عن الحرب في بلادها وردية. بعد عبورها الحدود السورية إلى لبنان، فوجئت في إحدى القرى المحاذية للحدود بلاجئين سوريين يتشاجرون في ما بينهم من أجل الحصول على شوادر للخيم التي يقطنون فيها. لم تكن تتوقع أنّ منزلها في حمص سيتحول في لبنان إلى أسقف وجدران من أقمشة وتنك. أكثر الأمور التي كانت تزعجها وتجعلها تصل إلى درجة الانهيار هي مشاركة الرجال الحمام نفسه مع النساء. تقول: "نزحت إلى بيروت. قيل لي إنّ الحياة فيها أكثر راحة. استأجرنا غرفة في حي فقير في ضواحي العاصمة".

لكنّ صعوبات الحياة دفعتها إلى العمل في المنازل ساعات طويلة من أجل تأمين لقمة العيش لابنتيها. كانت تخاف عليهما كثيراً وترفض فكرة خروجهما من البيت من أجل العمل. تخاف تعرضهما للتحرش أو الاستغلال الجنسي أو الاغتصاب.

تقدّم الشاب للزواج من ابنتها الكبرى فاطمة. يكبرها خليل بعشرة أعوام، وهو عامل في ورش البناء. تروي الوالدة: "أغراني بالمال، وقال لي إنّهما لن يحتاجا إلى شيء وسوف يعوّضان لنا كلّ ما فقدناه في سورية. أوهمني أنه يملك المال الكافي الذي ادخره من عمله في بيروت من أجل دفع إيجار الغرفة التي نسكن فيها وغيرها من الاحتياجات اليومية".

وافقت الوالدة على زواج ابنتها من دون أن تأخذ إذنها أو أن تحضّرها نفسياً وذهنياً لفكرة الزواج والارتباط برجل غريب لا تعرف عنه شيئاً ولم تره إلا قبل أيام من الزواج. عقد القران على الطفلة، وفي اليوم التالي اختفى أثر العروسين. قيل لها لاحقاً إنّهما في سورية.

لم تتعلّم الوالدة من التجربة الأولى، بل هي تتحضّر اليوم لتزويج طفلتها الصغرى مريم من رجل يكبرها بـ13 عاماً. تصفه الوالدة بأنّه "رجل آدمي"، أي أن أخلاقه حسنة، كما أنّه من أقاربها. تبرر هذا الزواج بأنه لمصلحة مريم وأنها بحاجة إلى من يساعدها في مصروف المنزل، خصوصاً أنّها في حاجة إلى أدوية كلّ شهر بسبب معاناتها من مرضَي السكري والضغط.

في المقابل، تجلس مريم أمام والدتها وتتأمل وجهها الحزين وهي تخبر قصة شقيقتها التي اختفت وعلامات الاستفهام مرسومة على وجهها. كلّ ما تريد التأكد منه هو أنها في حال تزوجت هذا الرجل لن يبعدها عن والدتها. هي لا تعلم شيئاً عن الزواج. عندما يسألها أحدهم عن الارتباط، تقول له: اسأل والدتي. تلمع عيناها البنيتان عندما تتحدث عن رغبتها في التعلّم والدخول إلى المدرسة وكتابة الفروض المنزلية كما تفعل بنات أخريات يسكنّ في الحي نفسه. كلام الفتاة قليل جداً، فالوالدة تمنعها من التحدث والإفصاح عن رغباتها وأحلامها الصغيرة وتحاول إقناعها في كل محادثة بأنّ الشهادة لن تنفعها وبأنّها في حاجة إلى رجل يرعاها كما كان والدها يفعل. حلم مريم إلى جانب الذهاب إلى المدرسة، شراء ملابس جديدة وألعاب كتلك التي تلعب بها فتيات الحارة. هي تريد لعبة تشبه "باربي" شعرها أشقر وفستانها أزرق. تعشق مريم اللون الأزرق. تشتاق كثيراً إلى شقيقتها الكبرى. تخاف أن تتركها والدتها بمفردها، وعندما تكون الوالدة في العمل تبكي مريم وتصرخ طوال ساعات وهي تنتظرها.

مريم ليست في حاجة إلى رجل، بل إلى مقعد مدرسي تحلم أن يساعدها أحدهم بالحصول عليه. تتمنى على ذلك الشخص المجهول ألاّ ينسى شراء قلم أحمر لها، فهي تحب الرسم بهذا اللون.

اقرأ أيضاً: مرضى نفسيّون محكومون بالمؤبد
المساهمون