"الدفّان" علي الكعبي.. الموت مهنة رائجة في العراق

24 يونيو 2015
دفان النجف العراقي (فيسبوك)
+ الخط -

لا مهنة مزدهرة بالعراق اليوم بقدر المهن المرتبطة بالموت، ما دعا العاملين بتلك المهن إلى التجارة ببضاعة الموت علناً، واستخدام التقنيات الحديثة في الترويج لمهنتهم، فأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تمتلئ بإعلانات تجارة الأكفان والعطور الخاصة بالموتى وأنواع القبور وأشكالها وألوانها.

"الدفّان" علي العمية الكعبي بات أحد أشهر العاملين بهذا المجال في العراق. "باقٍ ويتمدّد"، كنايةٌ عن تمدد الموت في بلاد الرافدين، هكذا يقول معجبون بالدفَّان (التُرَبي)، علي الكعبي في صفحته التي بلغ عدد المعجبين بها خلال أسابيع قليلة أكثر من 62 ألفاً، بعد أن افتتح فرعاً جديداً له في مدينة كربلاء.

ويتواصل الكعبي مع معجبيه يومياً على صفحته الرسمية معقّباً على تعليقاتهم ومعلناً لهم عن كل جديد في عالم القبور والأموات والأكفان. يتوجه مع ساعات الفجر الأولى إلى مقبرة وادي السلام في النجف، ليبدأ رحلته في حفر وترميم القبور استعداداً لاستقبال ما حصدته دوامة العنف والموت التي لا تتوقف رحاها في العراق، ويقول لمعجبيه ومتابعيه "أين تفرون إلّا دفن"، أي سأدفنكم يوماً.

ويختلف صباح علي الكعبي عن صباح غيره من الناس، إذ يفتح صفحته على فيسبوك ليقول لأصدقائه: "صباح القبور وأعواد البخور وعطر الكافور من مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف"، وينشر صور "سيلفي" لنفسه بين القبور طالباً من متابعيه أن يدعوا له بجملته الشهيرة "ادعوا لي بالرزق والعافية".

ويقول الكعبي على صفحته في "فيسبوك": "أقوم برش القبور بالماء يومي الاثنين والخميس، وبماء الورد يوم الجمعة، وأعتني بالمقبرة. وبدأ عملي يتوسّع، والحمد لله، وأصبحت منشوراتي على صفحتي الرسمية تنشر بثلاث لغات، وهي العربية والإنجليزية والكردية".



ويتابع: "بالنسبة لذوي الميت من الفقراء، فإني أتبرع ببناء القبر لهم مجاناً. ولدينا عدة أنواع من القبور، منها قبر "بنّاتي" و"ولاّدي"، أماّ أشكال القبور وأنواعها، فهناك قبر مرمري مزخرف ومرمري ملون وقبر مرصوف بالطابوق الفرشي وأنواع أخرى".

وللعمل في المقبرة التي يديرها الكعبي شروط خاصة، وهو يطلب سيرة ذاتية للمتقدمين للعمل كحفارين أو دفانين ضمن شروط صارمة، كالمظهر الجيد والخبرة المحاسبية التي لا تقل عن سنة.
"على المتقدمين للعمل في المقبرة ممّن تتوفّر فيهم الشروط المطلوبة، أن يقدموا الـCV الخاص بهم على أن تكون للمتقدم خبرة محاسبية لا تقل عن سنة، ويجب أن يكون المتقدم ذو مظهر جيد، والراتب قطعي والإجازة أسبوع واحد كل شهر".

حيدر "كرك" و جبار "فاس"، هما مساعدا علي الكعبي في عمله بحفر القبور ودفن الموتى أخذا اسميهما من عدة العمل "الكرك"، وهو معول الحفر و"الفأس" التي تستخدم في تقطيع طابوق بناء القبور.


ويلتقط الكعبي صوره مع أصدقائه المقربين ومعاونيه حيدر كرك وجبار فاس، مناشداً أصدقائه في صفحته، ويبدو أنَّ الكعبي من المعجبين بالزعيم النازي أدولف هتلر حيث يظهر في بعض صوره التي ينشرها على صفحته وهو يؤدي التحية النازية الشهيرة.

ولا تقتصر شهرة الكعبي على عمله في مقبرة النجف، بل تعدت ذلك إلى تفاصيل المجتمع، حيث أخذت الأمهات اللواتي يحاولن تنويم أطفالهن أو إسكاتهم في حالة صراخهم ليلاً يخوّفن أبنائهن بالدفان علي الكعبي، فتقول إحداهن مثلاً: "إمّا أن تنام أو سأنادي علي الكعبي"، فينام الطفل لخوفه عند سماع اسم الكعبي الذي أصبحت الفتيات يتغزلن به أحياناً على صفحته، ما دفع الكعبي لتحذيرهن مازحاً "سيأتي يوم وأدفنكن جميعاً".

ويقول الخبير الاجتماعي علي العامري، لـ"العربي الجديد"، إنَّ ظاهرة الدفّان الكعبي انتشرت فعلاً بسرعة، فهو يجيد الترويج لنفسه بطريقة تثير الإعجاب، خاصةً أنَّ الناس لم تتعوّد على أن يقوم دفّان موتى بعمل صفحة شخصية لينشر كل أعماله في المقبرة، ونستدل من ظاهرة الكعبي على ما وصل إليه العراق من مآسٍ خطيرة إلى الدرجة التي جعلت الكعبي وغيره من العاملين في مجال المقابر إلى الإعلان عن حاجتهم إلى عمال وتقديم سيرة ذاتية للمتقدمين، وهذا يدل على حجم وكم الموت الهائل الذي يعصف بالبلاد".

المساهمون