حياة المدينة تهدّد بزوال العادات الرمضانية في موريتانيا

01 يوليو 2016
تغيّرت عادات الطعام الموريتاني كثيراً (GETTY)
+ الخط -

تواجه العادات الرمضانية القديمة فى موريتانيا خطر الاندثار؛ بسبب اجتياح عادات رمضانية جديدة قذفت بها العولمة بروافدها المختلفة، بحيث كان لحركة التمدن التي عرفتها البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية دور أساسي في تغيير الكثير من العادات وأنماط العيش عند الموريتانيين.

وكان غالبية سكان موريتانيا في السابق من البدو الرحل، قبل أن تشهد المدن كثافة بشرية بعدما تحسنت الظروف الاقتصادية والمعيشية، مع بدء استخراج الثروات الطبيعة للبلاد، وتحسن المستوى الاقتصادي للمواطنين، وانتقلت نسبة معتبرة من المواطنين من شظف العيش وخشونته إلى التفنن في وسائل الراحة والتمتع بمباهج الحياة.
كانت العادات الغذائية الرمضانية القديمة لا تتجاوز الإفطار على الماء واللبن والتمر، إن وجد، ثم وجبة فطور معدة من البطاطس واللحم والخبز، والعشاء "السحور" يكون بوجبة "كسكس" أو "العيش" في أحسن الأحوال، أما اليوم فسيدات المنازل يتفنن في أنواع "الشوربات" والحلويات ويستخدمن اللحوم البيضاء والحمراء بعدما كان المطبخ الموريتاني القديم يقتصر على اللحوم الحمراء.
وأحياناً، يكون هناك مزج بين العادات الغذائية الرمضانية القديمة والجديدة، بحيث جرت تغييرات على وجبة "الطاجين" المشهورة عند الموريتانيين، سواء في طريقة الطبخ أو في عناصرها وطريقة تحضيرها، كما انفتح المطبخ الموريتاني على نظيره العربي عموماً، والمغربي بشكل خاص، وأخذ عنهما وجبات ونكهات، فضلاً عن استفادة سيدات البيوت من برامج الطبخ التي تبثها القنوات الفضائية المختلفة.
فاطمة بنت سيدي، سيدة منزل، تقول إنه من الطبيعي أن تتغير العادات الغذائية الرمضانية مع الزمن، لكنها تعتقد أن الموريتانيين متشبثون بعاداتهم الغذائية، وأن ما جرى مجرد تطوير وتغيير في الوجبات الرمضانية.
وتؤكد بنت سيدي لـ"العربي الجديد"، أن العديد من المدن والأرياف لا تزال تحتفظ بنفس العادات الغذائية القديمة لأسباب اقتصادية وثقافية، وعن مائدتها الرمضانية تقول بنت سيدي إنها تتكون من التمر والزبدة والشوربة المعروفة محلياُ بـ"سب"، إضافة إلى الحلويات ووجبة الطاجين المفضلة أحيانا باللحوم الحمراء وأحيانا بالدجاج وأحيانا بالسمك.

عادات اجتماعية ودينية

لم يتوقف التغير في العادات الرمضانية عند الموريتانيين على العادات الغدائية فحسب، وإنما شمل الحياة الاجتماعية والعائلية، فلم يعد الجلوس في المنزل ليلاً هو الطابع العام في رمضان بل أصبح الخروج بعد صلاة التراويح إلى الملاعب الرياضية والنوادي والمقاهي أمراً معتاداً، بحيث تزدحم المدينة بعد منتصف الليل بالمارة والمتسوقين، وهناك من يفضل الجلوس في المنزل لمتابعة المسلسلات الرمضانية والبرامج التلفزيونية.
على طول الطريق الرابط بين مطار نواكشوط الدولي وتقاطع "كرفور مدريد"، اعتاد فضيلي ولد القطب، أن يمارس رياضة المشي بعد صلاة التراويح، بحيث يترك سيارته قرب تقاطع مدريد ويسير رفقة بعض الهواة إلى بوابة المطار بحثا عن الهواء النقي والتريض. ويقول ولد القطب إنه تعود على ممارسة الرياضة بعدما نصحه أطباؤه بذلك إثر إصابته بمرض السكري.
وعن الأجواء الرمضانية في المدينة، يقول ولد القطب: "لقد تغيرنا كثيرا، لم نكن نمارس الرياضة ولم نكن نسهر ليلا، كانت حياة الريف قاسية، وكنا ننام ليلا بسبب ارتفاع درجات الحرارة في النهار، ولم يكن هناك ما نسهر من أجله لا تلفزيون ولا كهرباء، كنا نصل الأرحام ونزور الأقارب والأصدقاء وكانت حياتنا الدينية جميلة وكنا نشعر بذلك".
ويرى الباحث الاجتماعي أحمد سالم زياد، أن التغيير طاول كل شيء "أستطيع أن أجزم أن هذا الشهر الكريم لم يحافظ إلا على قداسته وروحانيته، والتي تتجلى كل عام في ثوب جديد. تتغير العادات والوجبات وتبقى العبادات والواجبات محافظة على قدسيتها".
ويري زياد في حديثه مع "العربي الجديد"، أنه "لم تكن المائدة الصنهاجية (نسبة إلى قبائل صنهاجة الأمازيغية) العربية غنية يوماً، وقد ازدحمت اليوم بفضل الفضائيات وثقافة العولمة بوجبات عربية وإسلامية أسهمت في إغناء المائدة الرمضانية، بحيث أصبحت النساء يتنافسن في تحضير تلك الوجبات؛ مما جعل لهذا الشهر العظيم بهجة خاصة، وإن كان فقد في ظل ذلك ثوبا آخر له بهجته ومحبوه، وهو ثوب البساطة وعدم الإسراف".
وحول علاقة تغير العادات الرمضانية بالهجرة نحو المدينة، يؤكد زياد أن "للتحضر أثره الكبير، كما أن للفضاء السمعي والبصري أثره الأكبر. لقد نال المطبخ في كل العالم دوره من العالمية، ولم يكن المطبخ الموريتاني استثناء، بل ربما يكون هو أكبر مطبخ تأثر بهذه الغزو العابر للقارات".

ويلاحظ زياد أن عادات جديدة طرأت على الموريتانيين في رمضان مثل الجلوس في المقاهي والرياضات الليلية التي يفرضها المناخ الحار وعوادم السيارات وزحمة المرور وفوضويته، والتي تنعدم تقريبا في الليل، "وقد أدى التغير الكبير في حياة المجتمع إلى انتشار مجموعة من الأمراض في المجتمع بصفة مقلقة، أمراض مثل السكري والضغط".
أما انتشار المقاهي بدل الاجتماع في البيوت كما كانت عادة الموريتانيين قديما "فهي ظاهرة مدنية، احتاجها الشباب ليس فقط تقليدا للشباب العربي، بل لعمليتها، فبدل أن يجتمعوا في بيت أحدهم وجد الشباب في المقاهي مخرجا مدنيا وراقياً" بحسب الباحث الاجتماعي.

وعن العادات الدينية التي طاولها التغير يعتبر زياد أن "العادات الدينية تحسن كثير منها شكلا وفقدت للأسف كثيرا من مضامينها. مثلا زاد عدد الصائمين والمصلين، لكن لا أستطيع أن أجزم أن هناك تحسناً في عاداتهم ومعاملاتهم".
ويقدم الباحث الاجتماعي قراءته لظاهرة تأثر الموريتانيين بغيرهم فيقول "نجد المجتمع الموريتاني دائما يمر متأخرا نسبيا بظواهر مجتمعية مرت بها الشعوب العربية الأخرى باكرا، وذلك بسبب عمر مدينته القصير مقارنة بأشقائه الأقدم تحضرا، وفي هذه الحالة يمكن النظر في خط سير المجتمعات العربية المماثلة ثم توقع المسار الذي سنسلكه في موريتانيا".

دلالات