مرضى يمنيون بلا أطباء

10 يناير 2017
نقص كبير في الأسرّة (العربي الجديد)
+ الخط -
"بعتُ بقرتنا الوحيدة من أجل سداد كلفة استشفاء ابني المريض في مستشفى بمدينة إب، منذ شهر ونصف، بعد إغلاق خدمات المستشفى الريفي في منطقتي"... هي شكوى الفلاح حزام العُديني، من مديرية حزم العدين (وسط اليمن) الذي يُرجع السبب في ضخامة الكلفة المالية لإقامة ابنه في المستشفى طوال هذه الفترة، إلى احتلال مجموعات شبه عسكرية أكبر مرفق صحي حكومي كان يقدم خدماته برسوم رمزية لنحو 100 ألف نسمة.

وسط ظروف حربية عصيبة شملت الكثير من مناطق اليمن، تتناقص أعداد الأطباء والأسرَّة في المستشفيات الحكومية لأسباب متعددة. هذا التطور زاد عدد الوفيات جراء الإصابة بالأمراض والأوبئة خلال العام الماضي إلى 10 آلاف شخص، معظمهم من الأطفال والنساء الذين كان بالإمكان معالجة معظمهم لو توفرت العناية الصحية الملائمة، بحسب منظمة الصحة العالمية. ويساوي هذا العدد أعداد القتلى المدنيين من جراء الحرب في البلاد.

في أبرز المستشفيات المركزية العامة في العاصمة صنعاء، لم يعد الطبيب المشرف على غرف المرضى الرجال يمرّ سوى مرة في الأسبوع بدلاً من مرة يومياً. بات الممرضون هم من يعاينون المرضى، فلا يستجيبون لآلامهم الطارئة إلاّ بالمسكنات إلى أن يأتي الطبيب. كذلك، جرى تعيين ممرضين جدد بدلاً من آخرين توقفوا عن العمل، بسبب انقطاع رواتبهم أو نزوحهم، ما تسبب في كثير من الأخطاء بسبب ضعف الخبرة. كذلك، يتطلب حجز سرير لأحد المرضى أكثر من 6 أسابيع حتى يحين دوره. وغالباً ما ينال الحظوة أصحاب الوساطات.

في هذا الإطار، يوضح المواطن عبد الخالق الشعيبي أنّ العاملين في مستشفى الثورة رفضوا استقبال زوجته بذريعة عدم توفر سرير. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ زوجته كادت تلفظ أنفاسها لولا نقلها سريعاً إلى مستشفى خاص بعد رهن خنجره الثمين (الجنبية) لدى أحد أقاربه مقابل إقراضه 300 ألف ريال يمني (1200 دولار أميركي). يضيف: "دائماً ما يجري ردّ المرضى من طوارئ مستشفى الثورة وهي أكبر مستشفى حكومي في اليمن". يتساءل: "ماذا كنت سأفعل لو لم يكن لديّ ما أرهنه؟ كانت زوجتي ستموت بمرضها بالتأكيد".

مستشفى السبعين للأمومة والطفولة، وسط صنعاء، يعتبر المستشفى المتكامل الوحيد المتخصص في تغطية مختلف الحالات في المحافظات الشمالية لليمن. المستشفى مهدد بالإغلاق خلال أشهر بسبب وضعه المالي الصعب. وهو ما يؤكده نائب مديره، هلال البحري. يقرّ بوجود أزمة حادة أهم عناصرها انقطاع رواتب الأطباء والطاقم التمريضي في الأشهر الثلاثة الماضية. وهو ما أدى إلى تغيبهم بشكل متكرر، وبالتالي تفاقم حالات النساء والأطفال المصابين بأعراض مرضية مختلفة، لا سيما سوء التغذية الحاد وأمراض أخرى مثل الكوليرا الآخذة في الانتشار.

يقول: "هناك أطباء وممرضات لا يستطيعون تأمين رسوم انتقالهم من بيوتهم إلى المستشفى والعودة حتى يتمكنوا من ممارسة أعمالهم. كذلك، توجد مختبرات كبيرة مجهزة بالأدوات، لكنها في حاجة إلى محاليل مخبرية، ما يجعل كلّ التجهيزات مجرد ركام لا فائدة منه".



يشير البحري إلى أزمة أسرّة المستشفى: "لا نتمكن من وضع الأطفال حديثي الولادة تحت سن تسعة أشهر في غرف الإنعاش بسبب عدم توفر معدات وقطع غيار لأجهزة مهمة. كذلك، لا وجود لغرف خاصة بالأطفال الأكبر سناً. لم يعد لدينا سوى 20 سريراً في غرف إنعاش الأطفال، في الوقت الذي يعد هذا المستشفى الأوحد في تخصص الأطفال في المدينة كلها. ونحتاج إلى خمسين غرفة إضافية من أجل استيعاب الحالات التي نستقبلها يومياً".

بينما تضمّ صنعاء 4 مستشفيات مركزية عامة تخدم 5 محافظات كثيفة السكان، تضم العاصمة المؤقتة عدن مستشفيين فقط يغطيان مع مستشفى في حضرموت جميع المحافظات الجنوبية السبع. وقد تحسن وضع المستشفيين نسبياً بدعم خليجي بعد استقرار المدينة، لكنّهما ما زالا يعانيان من عدم كفاية الأطباء المتخصصين، ومن نقص كبير في عدد الأسرَّة التي لا تلبي الطلب المتزايد للمرضى.

وتعتبر استجابة المنظمات الدولية والأممية للحالات الصحية متواضعة، فقد دعمت عام 2016 ما نسبته 47 في المائة من النشاطات الصحية العامة، و52 في المائة من نشاطات تغذية الأطفال تحت 5 سنوات والأمهات المرضعات والحوامل. ويضعف الأداء الصحي المتواضع للمنظمات قدرة المجتمع المدني على إنجاح العديد من القطاعات الإنسانية الأخرى في ظلّ التدهور الصحي المستمر. مع ذلك، فإنّ المنظمات لا تقدم أي دعم لزيادة عدد الأسرَّة، ولو أنّها تلعب دوراً في دعم تزويد عدد قليل من المستشفيات الثابتة أو المتنقلة بأطباء يمنيين لا يتعدى إجمالي عددهم 100 طبيب.

وكشفت دراسة حديثة لمنظمة الصحة العالمية عن نقص كبير في الكوادر الطبية، ونقص في عدد الأسرّة في المستشفيات. وقالت المنظمة إنّ 49 من إجمالي 276 مديرية شملتها الدراسة تفتقر للأطباء، و45 في المائة من المرافق الصحية فقط هي العاملة حالياً، مع مواجهتها نقصاً شديداً في الأدوية والمعدات والكوادر.

المساهمون