تضييق وابتزاز يجبران بدو العراق على النزوح من بادية الأنبار

18 ابريل 2020
موجة هجرة لبدو ورعاة أغنام الصحراء (عصام السوداني/فرانس برس)
+ الخط -


سجّلت الأسابيع الأخيرة الماضية عمليات نزوح لافتة للبدو الرحّل ورعاة الأغنام في العراق، من مناطق صحراء وبادية الأنبار القريبة من المثلث العراقي الأردني السعودي، ومناطق محيطة بالقائم وحصيبة الحدودية مع سورية، حيث ظهر قسم كبير منهم مع خيامهم ومواشيهم في مناطق بمحيط مدن الأنبار، مثل هيت وراوة والمحمدي وقرب الرمادي، مركز محافظة الأنبار.

ولا تتوفّر أرقام دقيقة حول مجموع البدو القاطنين بالصحراء أو البادية، غرب وجنوب غربي العراق، إلّا أنّ أعدادهم تناقصت كثيراً بعد عام 2014، وما تلاه من معارك وعمليات عسكرية واسعة ضد مسلّحي تنظيم "داعش". إلّا أنّ العشرات منهم حصلوا على موافقة من القوات العراقية، للعودة مجدداً إلى تلك المناطق وممارسة حياتهم متنقّلين من مكان إلى آخر.
ووفقاً لمصادر أمن عراقية، في محافظة الأنبار، فإنّ العشرات من البدو الرحّل الموجودين في مناطق صحراوية في الأنبار تعرّضوا لعمليات تضييق واسعة، على يد مليشيات مسلّحة تابعة للحشد الشعبي، أبرزها مليشيا "الخراساني"، و"كتائب حزب الله"، و"العصائب"، بهدف دفعهم لترك مناطقهم، بحجّة أنّهم يقدمون المساعدة للإرهابيين بالصحراء. وعادة ما تُطلب منهم أموال أو يتمّ أخذ رؤوس من ماشيتهم، في كلّ عملية دهم وتفتيش يتعرّضون لها، على طريقة ما يُسمّى بـ"الخاوة" (الإتاوة).

وقال مسؤول عسكري عراقي، في قيادة عمليات الجزيرة والبادية المسؤولة عن الملف الأمني في المناطق الحدودية مع كل من سورية والأردن والسعودية، لـ"العربي الجديد"، إنّ العملية الأخيرة لعدّة فصائل مسلّحة في مناطق صحراء الأنبار، تسبّبت بموجة من الهجرة لبدو ورعاة أغنام، أخذوا من الصحراء موطناً لهم، في الفترة الأخيرة. وأضاف أنّهم "تعرّضوا لمصادرة أوراقهم الثبوتية، وممتلكات شخصية. كذلك قدّموا إفادات، تدلّ على الاستحواذ على رؤوس أغنام وإبل منهم، لكنهم لم يحدّدوا الجهة التي قامت بذلك، واكتفوا بالقول إنّهم قوات عسكرية".
ولفت المسؤول العسكري إلى أنّ البدو الرحّل في العراق، يختلفون عن باقي الدول، فهم عراقيون ويوجدون في الصحراء والبوادي في موسم الأمطار لغرض الرعي، وينتقلون صيفاً إلى أماكن أخرى. وهم متعاونون مع قوات الأمن ووجودهم أصلاً في تلك المناطق يعني أنّهم دخلوها بعلم الجيش وموافقته، كون المناطق تلك لا يدخلها أحد إلّا بترخيص.


وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور لمسلّحين من فصائل الحشد الشعبي وهم يلاحقون قطعان إبل وأغنام، ويستجوبون البدو الرحّل في الصحراء.

وبحسب زعيم قبلي بارز في محافظة الأنبار، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، فإنّ غالبية من ترك الصحراء هم رعاة الأغنام والإبل الذين يخيّمون في البادية مع موسم العشب والمطر.

وتواصل "العربي الجديد"، عبر الهاتف، مع متعب الشجلاوي، وهو أحد النازحين حديثاً من منطقة العنازة القريبة من بادية الرطبة، 300 كم غرب الأنبار. يعمل الشجلاوي في رعي المواشي ويؤكّد أنّه دخل إلى مدينة الرطبة، بعد اعتقاله لعدّة ساعات من قبل قوة لا يعرف لمن هي تابعة، قامت بمصادرة مبلغ 200 ألف دينار (نحو 180 دولاراً) كان بحوزته وهاتفه الشخصي.
واعتبر الشجلاوي أنّ عمليات التضييق التي تجرى في الصحراء، سواء على المخيمين أو الصيادين أو البدو الرحّل ورعاة الأغنام، من قبل الجماعات المسلّحة، هدفها إبعادهم عنها بشكل نهائي. وأضاف أنّ "الجيش العراقي، يشاهد ما يحصل، يومياً، من خلال المروحيات التي تجوب المناطق المختلفة أو من خلال القوافل والدوريات العسكرية المستمرّة، ويسمح للجميع بمزاولة الأنشطة التي يريدونها".

وأضاف أنّهم تعرّضوا للسرقة، بعد أن اتّهموا بالإرهاب، ومن ثم تركهم السارقين يرحلون، بعد أن أخذوا بعض المواشي والممتلكات، وصار الضحايا ممتنّين لبقائهم على قيد الحياة. 
وأكّد أنّه "لم يتم التأكّد، حتى الآن، من هوية من يبتزّ الرعاة والبدو في الصحراء، ولا يمكن اتّهام فصيل مسلّح بعينه، لكنّهم بالتأكيد من الحشد، لأنّ الجيش العراقي موجود في المنطقة ومتصالح مع الجميع ويسهّل أمور الناس".
وأضاف: "قد تكون الخطّة هي إخلاء الصحراء من الناس، لمشروع أو خطة لديهم، أو أنّهم بعد هزيمة داعش يحاولون أن يختلقوا المشاكل في المناطق الآمنة".

عضو البرلمان العراقي، أحمد السليماني، قال لـ"العربي الجديد"، إنّ "مناشدات عدّة وصلت في وقت سابق أيضاً، من فلّاحين تعرّضوا لضغوط وابتزاز، من قبل بعض الجهات المسلّحة. وهناك عدّة مناطق تمّ ابتزاز مزارعيها، مثل منطقة المشاريع، جنوب مدينة القائم القريبة من حقل عكاز، ومناطق قرب مدينة عكاشات".
وأضاف: "الدولة حرّرت هذه المناطق من تنظيم داعش الإرهابي، الذي كان يفرض الإتاوات على الناس، خاصة المزارعين. فهل يعقل أن تأتي جهة، بعد ذلك، لتقوم بأعمال داعش نفسها، لكن هذه المرة باسم الدولة وبسلاحها؟".
واعتبر أنّه يجب أن يكون القانون هو الفاعل الأول في الدولة، ولا يجب أن تستقوي، أيّ جهة، باسم الدولة وتحارب المواطنين.
وقال النائب عن محافظة الأنبار، في البرلمان العراقي، عن دورته التشريعية السابقة، حامد المطلك، إنّ شكاوى كثيرة ترد من مواطنين في مناطق عدّة، تتعلّق بتجاوزات من جهات مسلّحة مختلفة. وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" بأنّ "هذه الممارسات صارت تتكرّر ونسمع عنها في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي. وإذا استمرّ هذا الوضع ولم يوضع له حدّ، ولم يحاسب الفاعلون، فإنّ ذلك سيؤذي مصالح الناس وحياتهم، كما سيقود إلى وضع أمني سيّئ، يؤثّر على التكافل الاجتماعي".