لا للتلوّث الصناعي في قابس التونسية

تونس

بسمة بركات

avata
بسمة بركات
13 ديسمبر 2018
6F7C68B7-7911-4942-9F00-ACD7DC8403B3
+ الخط -

يبدو الطاهر الغيلوفي، الناشط التونسي في حملة "لا للفسفوجيبس... أريد العيش"، حازماً وهو يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الوضع في قابس (جنوب شرقي تونس) لم يعد يحتمل التأخير ولا ليوم إضافي واحد، لأنّ ضحايا التلوّث وصناعة الموت يسقطون يومياً. المياه تلوّثت بالمواد الكيميائية التي يخلّفها المجمّع الكيميائي في قابس والتي تُلقى في البحر. كذلك فإنّ الهواء الذي نتنشّقه لا يخلو من ملوّثات صناعية كيميائية تحمل معها الموت الذي يخطف الشباب وأهالي قابس، إلى جانب انتشار الأمراض السرطانية التي ارتفعت نسبتها مقارنة بما كانت عليه".

ومعاناة أهالي قابس مع التلوّث الصناعي بدأت بحسب الغيلوفي في عام 1972، أي عند إنشاء المجمّع الكيميائي الذي يخلّف يومياً نحو 25 طناً من مادة "فسفوجيبس" (جبس الفوسفات) تُلقى في البحر، وفقاً لإحصاءات منظمات بيئية. وهو ما يساهم في تضرّر الكائنات البحرية وجودة الحياة والأنشطة الزراعية والسياحية في المنطقة. وقد دفع ذلك أهالي المنطقة وناشطين شبابا لا سيّما في منظمات بيئية، إلى تنظيم وقفات احتجاجية عدّة رفعوا في آخرها شعارات ونداءات من قبيل "قابس تستغيث" و"انتهت صناعة الموت في قابس" و"أوقفوا التلوّث الناتج من المجمع الكيميائي والغازات السامة المنبعثة من المصانع الكيميائية" و"قابس تريد تفكيك الوحدات". والتحرّك الأخير أتى في العاصمة تونس في محاولة للفت نظر السلطات والتعبير عن حجم الكارثة التي أصابت منطقتهم، والدعوة إلى مكافحة التلوّث وتفعيل القرار الذي اتخذته الحكومة والقاضي بتحويل موقع الوحدات الملوّثة إلى خارج المناطق العمرانية.




لكنّ اختيار الحكومة تبديل مواقع الوحدات الملوّثة هو محاولة لإنشاء مدينة صناعية جديدة تكون صديقة للبيئة في معتمدية منزل الحبيب، شمالي قابس، أثار بدوره حفيظة السكان هناك ودفع المجتمع المدني إلى الاحتجاج. فأصدرت الاتحادات المحلية للشغل والفلاحة والصيد البحري والصناعة والتجارة إلى جانب المجلسَين البلديَّين في بلدتَي الحامة والحبيب ثامر بوعطوش بياناً ندّدت فيه بالقرار الحكومي واصفة إياه بـ"الظالم والجائر"، ومعلنة تنظيم سلسلة تحرّكات احتجاجية تصعيدية إلى حين إبطال القرار.

بحر الدين جليدي، شاب من قابس، يرى أنّ "قرار تحويل الوحدات الملوّثة إلى مدينة منزل حبيب لن يحلّ مشكلة التلوّث في منطقتنا، بل سوف يساهم في مزيد من الاحتقان وسوف يؤدّي إلى التفرقة الاجتماعية بين المناطق"، مشدداً على أنّ "القرار غير مدروس والحلّ هو إنقاذ قابس من التلوّث التي تنتجه المصانع الكيميائية نهائياً". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة من يقول إنّ تغيير موقع المجمع الكيميائي الذي يوفّر فرصاً للشباب العاطل من العمل سوف يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي والتنموي في الجهة، لكنّ هذا أمر غير منطقي، خصوصاً أنّ الأضرار التي لحقت بالجهة فادحة. وتكفي زيارة لمستشفى صفاقس وتحديداً لقسم الأمراض السرطانية ليكتشف المرء أنّ أكبر نسبة من المصابين من قابس".



من جهته، يقول خير الدين ديبة، وهو عضو في مجموعة "أوقفوا التلوّث" لـ"العربي الجديد"، إنّه "بعد سلسلة طويلة من التحرّكات التي استمرت أعواما عدّة، يطالب أهالي قابس اليوم بتفعيل القرار الحكومي القاضي بتفكيك الوحدات الملوّثة ونقلها إلى خارج المناطق العمرانية"، مضيفاً أنّه "مضى على هذا القرار نحو عام ونصف العام من دون أن يُنفَّذ. لا خطوات جدية في هذا الإطار". ويتابع ديبة أنّ "الوضع في قابس سيّئ جداً نتيجة الكميات الكبيرة من الفوسفوجيبس التي تُلقى في البحر من دون أيّ معالجة لها. ويصل حجم تلك النفايات إلى نحو خمسة ملايين طنّ سنوياً، وهو الأمر الذي أدّى إلى القضاء على الثروة السمكية. ومن بين 370 نوعاً من الأسماك التي كانت تعيش في خليج قابس، لا نجد إلا نحو 20 فقط". ويشير ديبة إلى أنّ "الواحة الساحلية عند خليج قابس من الواحات النادرة في العالم لأنّها تفتح مباشرة على البحر وتمتدّ على ألفَين و200 هكتار، لكنّها مهدّدة نتيجة المجمعات الكيميائية في الجهة"، مشدداً على "ضرورة وقف الجريمة الحاصلة في قابس وتغيير آليات التعامل مع هذه القضية التي تُعَدّ قضية حياة أو موت".



أمّا أمل بوعون، وهي طالبة من قابس، فترى أنّ "الوضع كارثي، وقد قضى عدد من الأشخاص بسبب الأمراض التي تنتشر من جرّاء التلوّث الكيميائي، ومنهم صديقنا نادر شكيوة الذي كان في العشرينيات من عمره والذي لطالما نادى بتفكيك الوحدات الصناعية ومقاومة التلوّث. هو توفي ولم تتحقّق مطالبه بعد". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّه "بمجرّد أن يُصاب أحدنا بزكام بسيط، فإنّنا نشعر بالقلق. نحن في خشية دائمة من الإصابة بالسرطان، بالإضافة إلى أمراض عدّة رئوية وجلدية أصابت بالفعل كثيرين". وتتابع: "نحن نكره الحياة في قابس بسبب التلوّث، وكثر هم الشباب الذين غادروها هرباً من ذلك التلوّث وخشية إصابتهم بأمراض خطيرة"، مؤكدة أنّه "من حقّنا العيش في بيئة نظيفة وضمان حياة كريمة للأجيال المقبلة".

دلالات

ذات صلة

الصورة
مقبرة جماعية في منطقة الشويريف بطرابلس، 22 مارس 2024 (الأناضول)

مجتمع

أعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك، الثلاثاء، أن مكتبه يتابع تقارير عن اكتشاف مقبرة جماعية في الصحراء على الحدود الليبية التونسية.
الصورة
مسيرات في تونس تنديداً بقصف خيام النازحين (العربي الجديد)

سياسة

شارك مواطنون تونسيون وسياسيون ومنظمات وطنية وحقوقيون، مساء اليوم الاثنين، في مسيرات في مدن تونسية تنديداً بالحرب على غزة، ولا سيما مجزرة رفح. 
الصورة
مسيرة في تونس ترفع شعارات الثورة التونسية، 24 مايو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

رفعت شعارات الثورة التونسية "شغل حرية كرامة وطنية" في احتجاج شبابي في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس، تعبيراً عن رفض ما آلت إليه الأوضاع في البلاد.
الصورة
طلاب من جامعات تونس في حراك تضامني مع غزة - 29 إبريل 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

انطلق حراك طلاب تونس التضامني مع غزة والداعم للانتفاضة الطالبية في جامعات العالم، ولا سيّما في جامعات الولايات المتحدة الأميركية، وذلك من العاصمة ومدن أخرى.
المساهمون