مدارس تركيا.. دروس دينية إجبارية تستثني المسيحيّين واليهود

23 فبراير 2015
تظاهرة رافضة للتعليم الديني في المدارس (آدم أتلان/فرانس برس)
+ الخط -

مرة أخرى، احتدم النقاش في تركيا حول الدروس الدينية الإجبارية، بعدما أكدت السلطات التركية أن اليهود والمسيحيين مستثنون منها. وبحسب تعليمات إدارة التعليم الديني (ضمن وزارة التعليم)، التي عمّمت على المديريات في مختلف الولايات في بداية فبراير/شباط الجاري، فإن بطاقة هوية الطفل هي التي ستحدد، إن كان سيتم إجباره على تلقي الدروس الدينية أم لا. فإذا كان الطفل مسيحياً أو يهودياً، سيعفى من الدروس. أما في حال كانت خانة الديانة فارغة أو فيها ذكر لديانة أخرى غير اليهودية أو المسيحية، فإنه سيجبر على التعليم الديني.

تجدر الإشارة إلى أن بطاقات الهوية في تركيا، ومنذ إنشاء الجمهورية، تضم خانة مخصصة للديانة، إلا أنه يحقّ لحاملها أن يتركها فارغة. وجاء هذا القرار ليلغي قراراً سابقاً كان سيجعل هذه الدروس اختيارية للتلاميذ الذين يعتنق أحد والديهما المسيحية أو اليهودية.
في السياق، يقول أحد المواطنين، رفض الكشف عن اسمه لـ "العربي الجديد" إنه "مسيحي وزوجته مسلمة، وكانا قد تركا خانة الديانة في هوية طفلهما فارغة، ليقوم هو بملئها حين يبلغ الـ 18 عاماً. لكنهما قررا ملء الخانة بالديانة المسيحية ليجنبوه التعليم الديني.

معارضة

لا تقتصرُ معارضة الدروس الدينية الإجبارية على المسيحيين أو اليهود. لكن غالبية المعارضين ينتمون للطائفة العلوية (باعتبار هذه الدروس تعتمد المذهب السني)، بالإضافة إلى شريحة واسعة من غير المتدينين المتحدرين من أصول مسلمة سنية، كالعلمانيين الكماليين.
في السياق، تؤكد المحامية التركية، دويغو جوخدار، لـ "العربي الجديد" أن هذا القرار "مخالف لحكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الصادر في سبتمبر/أيلول العام الماضي، وقال إن النظام التعليمي التركي ما زال غير مجهز بما فيه الكفاية ليحترم قناعات الوالدين، كما أنه ينتهك الحق في التعليم"، وذلك في إطار الحكم في الدعوة التي رفعتها جمعيات علوية تركية ضد الدروس الدينية الإجبارية التي أقرتها الحكومة التركية.

من جهتها، تؤكد الناشطة، مهتاب دوغو أوغلو، لـ "العربي الجديد" أن "تصرف الحكومة التركية غير مقبول"، قائلةً: "عمري الآن 40 عاماً وأتحدر من أسرة مسلمة سنية، لكنني غير متدينة. كما أن والدي وجدي كانا علمانيين كماليين". تضيف: "أظن أن قرار المحكمة الحالي سيجبرنا على تعبئة خانة الديانة باليهودية أو المسيحية".
ودعت جمعيات للعلويين ونقابة المعلمين إلى مقاطعة المدارس الرسمية، مطالبة بـ"تعليم علماني" في بلد غالبيته من المسلمين السنة. ولاقت هذه الدعوة استجابة في مدن عدة، بينها إسطنبول وأنقرة وأزمير. واستخدمت الشرطة خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق تظاهرة ضمت ألفي شخص معظمهم من المدرسين في إزمير. كما أوقفت 40 شخصاً على الأقل بحسب نقابة المحامين في المدينة، وسار نحو ألفي متظاهر وسط أنقرة، وألف في إسطنبول في حي قاضيكوي على الضفة الآسيوية للبوسفور.

علمانية

يؤكد الباحث ياسين يلماز لـ "العربي الجديد" أن الجمهورية التركية التزمت في بداية نشأتها عام 1923 بالمنهاج الذي كان معتمداً في عهد الدولة العثمانية، ويتضمن دروس القرآن والسنة والحديث. لكنها ألغت التعليم الديني في مدارس الدولة على مراحل. في عام 1929، أصدرت "هيئة التربية والتعليم" في "وكالة المعارف التركية" قراراً حافظ على الدروس الدينية في المدارس الابتدائية الموجودة في المدن، من دون أن يتم امتحان الطلاب فيها، وإلغاء الدروس الدينية في الثانويات، قبل أن تلغي وزارة التعليم عام 1936 التعليم الديني في المدارس الابتدائية في المدن. وتأخر تطبيق القرار في المدارس الموجودة في الأرياف حتى عام 1939.

يُتابع يلماز أن "التعليم الديني في تركيا مشكلة قديمة جديدة"، لافتاً إلى أن "الأتراك المحافظين، الذين يشكلون الكتلة الأكبر، تعرضوا لظلم تاريخي بسبب التضييق الذي كان يمارس في حقهم من الحكومات المتعاقبة بحجة الحفاظ على علمانية الدولة كما أسسها أتاتورك. حتى أنهم جعلوا الآذان باللغة التركية. بعد 18 عاماً، ومع فوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات عام 1950، أعيد رفع الآذان باللغة العربية وفتح المدارس الشرعية التي تعرف بمدارس الإمام الخطيب، إلى أن حصل الانقلاب عام 1960".
يضيف يلماز: "ظل التعليم الديني وثانويات الإمام الخطيب سبباً لتوتر مستمر بين التيارات الإسلامية والعسكر. وتعرضت هذه الثانويات لتمييز شديد، على غرار إغلاق مدارس الإمام الخطيب الإعدادية بعد انقلاب 1997، ومنع تلاميذها من دخول الكليات العليا كالطب والهندسة والحقوق وغيرها. ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، كان عدد المنتسبين إلى هذه المدارس لا يتجاوز 65 ألفاً، فيما يتجاوز المليون اليوم". وعلى الرغم من قناعة يلماز بأهمية التعليم الديني لحماية الأتراك من السلفية الجهادية المنتشرة في المنطقة، إلا أنه دعا الحكومة إلى تجنب ممارسة التمييز نفسه الذي مورس في حق الإسلاميين من العسكر.

تجدر الإشارة إلى أن مدارس الإمام الخطيب تشبه المدارس الشرعية في العالم العربي. عادة ما يتم فصل الصبيان والفتيات، ويتلقون نحو 13 ساعة دين في الأسبوع. وتبنّت "الهيئة العامة لمجلس شورى التربية الوطنية" في تركيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إدراج مادة التربية الدينية في السنوات الأولى والثانية والثالثة من المرحلة الابتدائية. وبعد صدور هذه التوصية، صار بإمكان وزارة التربية إعداد مشروع قانون يقدم للبرلمان، ليجري البدء بعد صدوره بتدريس مادة التربية الدينية، اعتباراً من الصف الأول الابتدائي.
وبررت الحكومة خطواتها على لسان رئيس الوزراء، ِأحمد داود أوغلو، الذي ندد بقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قائلاً: "إذا لم تقدم معلومات دينية صحيحة وسليمة عن طريق مؤسساتنا التربوية، فلا يمكن مراقبة المعلومات الدينية المغلوطة التي تعد مصدر النزعات الأصولية في محيطنا".