"مطلوب عشائرياً" تغلق رياض أطفال ومدارس في العراق

18 سبتمبر 2016
دخول البلاد مرحلة صراع عشائرية خطيرة (فيسبوك)
+ الخط -
يتواصل مسلسل الفوضى وانعدام الأمن في العراق وسط عجز القوات الحكومية عن ضبط الأوضاع بسبب المليشيات والعشائر ورجال الدين، مقابل دور لا يذكر للقضاء العراقي.

ومن ظواهر الانفلات الأمني التي انتشرت أخيراً في بغداد وعدد من مدن الجنوب، عودة ما يُعرف بالفصول العشائرية أو الديّة العشائرية، والتي عادة ما تتحول إلى عملية مصادرة الأموال والعقارات للضحية دون أي تدخل للقضاء أو الشرطة.

فقد نشر ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي صوراً لعدد من ظواهر الفصول العشائرية في العاصمة، ومصادرة منازل وممتلكات خاصة مختلفة، من بينها دورة مياه ومبنى روض أطفال ومدرسة، مما أثار امتعاضاً كبيراً لدى المواطنين الذين طالبوا رئيس الوزراء بالتدخل.

وقال الناشط أحمد عبد الله من بغداد لـ"العربي الجديد"، إنّه "على رئيس الوزراء حيدر العبادي الاعتراف صراحة بوجود 3 حكومات ظلّ، هي حكومة السلطة الدينية وحكومة المليشيات وحكومة العشائر إذا لم يوقف هذه المسألة".

وتساءل المتحدث: "أين القضاء في غابة تحكمها أعراف دينية وعشائرية وسلطة مليشيات؟".

سلطة العشائر أكبر من سلطة القانون (فيسبوك)


من جانبه، قال الخبير الأمني سجاد النجفي، إن "التدخلات العشائرية والدينية وصلت إلى مفاصل الدولة الحساسة الأمنية والعسكرية بطريقة غير معقولة، بسبب الانفلات الأمني في البلاد وانتشار المليشيات المسلحة، وسيطرة "داعش" على أجزاء من البلاد وانشغال الدولة بالمعارك مع التنظيم، فأصبحت مناطق الجنوب تخضع لسلطة العشائر أكثر منها لسلطة القانون".

وبيّن النجفي لـ"العربي الجديد" أن الأمر وصل إلى قيام عشائر بعينها بإغلاق رياض أطفال ومدارس ومصادرة منازل مواطنين وإغلاق مولدات أهلية للكهرباء، بل حتى مرافق صحية عامة تحت ذريعة الثأر العشائري ومُسمَّى "مطلوب عشائرياً" وهذا يعني دخول البلاد في مرحلة صراع عشائرية خطيرة أسوأ من مرحلة (داعش) بكثير".

وتحوّلت التدخلات العشائرية في البلاد إلى مثار للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر ناشطون وإعلاميون عراقيون في مناسبات عدة، صوراً لرياض أطفال ومولدات كهرباء أهلية ومنازل مواطنين ومرافق صحية عامة صادرتها العشائر، وكتبت عليها عبارة "مطلوب عشائرياً".

وطاولت الثارات العشائرية مختلف شرائح المجتمع، من أطباء ومهندسين وقضاة وضباط ومدرّسين، ولمجرد حصول خلاف مع أحدهم تدخل العشيرة بأكملها على الخط وتبدأ مرحلة التهديد وطلب الثأر.

وأوضح الباحث في شؤون العشائر ماجد الربيعي أنّ "التدخلات العشائرية في البلاد سبّبت هجرة العشرات من الأطباء والمهندسين والعلماء والمدرسين خشية السطوة العشائرية، فأصبح الطبيب لا يستطيع إجراء عملية جراحية لأحدهم مخافة فشلها ومن ثم تعرضه للثأر العشائري، وأصبح المدرس لا يستطيع ترسيب طالب كسول في المدرسة تجنباً للثأر العشائري".

ويتابع الربيعي "الخلاف مع مدرس أو مدير مدرسة يعني إغلاقها عشائرياً، وكذلك الحال في رياض الأطفال، بل وصل الحد إلى إغلاق مرافق صحية عامة يديرها أحدهم حصل له خلاف مع شخص من عشيرة أخرى، فكتبت العشيرة على المرافق الصحية العامة عبارة "مغلق ومطلوب عشائرياً"، وهذه مهزلة تاريخية لم تحدث في العالم".

وفي خضم هذه الفوضى العشائرية في العراق، تقف الدولة عاجزة عن ردع العشائر عن هذه الأفعال التي أسفرت عن اندلاع معارك ضارية استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة الثقيلة جنوب البلاد، ولم تتمكن قوات الجيش العراقي من إنهائها.

وقال ضابط في وزارة الدفاع العراقية، رفض الكشف عن اسمه، "صدرت إلينا أوامر عليا بالتوجه إلى عدد من مدن الجنوب لفض نزاعات عشائرية مسلحة، وما فاجأنا امتلاك العشائر أسلحة ثقيلة، بما فيها راجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة، ولم نتمكن من ردعها بسبب تهديد العشائر للقادة العسكريين والأمنيين بالثأر في حالة التدخل".

وأصبحت عبارة "مطلوب عشائرياً" أو "مطلوب دم" مألوفة لدى العراقيين، وخاصة في جنوب البلاد ولم يعد غريباً كتابتها على روضة أطفال أو مدرسة أو مولد كهرباء أهلي، أو حتى مرافق صحية عامة بسبب خلاف شخصي مع أحدهم.

كما يوضح الشيخ مزاحم السماوي، أحد وجهاء عشائر الجنوب، "للأسف أفلت الأمر من يد عقلاء العشائر العراقية وأصبح بيد السفهاء ليصل إلى مراحل خطيرة، فمجرد خلاف شخصي مع أحدهم قد يصل لمصادرة منزله وتهجيره، بل الأمر تعدى ذلك إلى إغلاق دوائر ومؤسسات الدولة بحجة الثأر العشائري، وهذه كارثة غير مسبوقة في العراق".

وكانت الحكومة العراقية أرسلت فرقاً عسكرية من الجيش العراقي قبل أشهر مدعومة بالمروحيات لفض نزاعات عشائرية مسلحة جنوب البلاد، ولتخفيف السطوة العشائرية على مؤسسات الدولة، لكن تلك القوات لم تتمكن من إنهاء مهمتها بنجاح بحسب مصادر من وزارة الدفاع العراقية.