فهمي جدعان محاضراً عن "مبادئ قاعدية مطلقة لأنوار عربية مستدامة"

03 أكتوبر 2018
الدكتور فهمي جدعان(معهد الدوحة)
+ الخط -


اعتبر الدكتور فهمي جدعان، في محاضرة افتتاحية ثانية للعام الجامعي في معهد الدوحة للدراسات العليا، بعنوان "مبادئ قاعدية مطلقة لأنوار عربية مستدامة"، أن إبداع فلسفات خاصة، واعتماد البحث العلمي الأصيل من الخطوات لتحقيق التغيير في الإنسان العربي.

تطرّق الدكتور جدعان في محاضرته التي أدارها رئيس المعهد بالوكالة الدكتور ياسر سليمان، أمس الثلاثاء، إلى البيئة الجوهرية للوجود وأشكاله المتباينة، وحالة الصراع الدائم الذي يجري والذي أطلق عليه "الاحتراق الكوني" والذي بدوره سيشكل حالة تجديد ذاتي. وتناول التطور التاريخي للتجربة العربية سياسيا واجتماعيا وثقافيا.

واستهل عرضا تاريخيا للحالة العربية يشرح فيه عملية الاحتراق الكوني المتولد عن التضاد والتناقض في مجالات عدة، كما تطرق إلى دور ما سمّاه "التراث الحي" المحمول في اللغة وآدابها والجلي في الآثار الفنية الباقية والعلوم الدينية والفقهية السائرة، وبين صموده في عملية الاحتراق التاريخية هذه. ورأى أن الأمل هو الدافع الأساس لهاجس التغيير والنهضة، ولكن هذا الأمل واجه العديد من التحديات، تلك التي تولدت عنها دول وطنية مكبلة بالتقليد وحاملة شعار التحديث في نسخته الزائفة. واعتبر أنه كان ينبغي أن يكون قدوم "الدولة الوطنية" أساسا حاسما في تحقيق "مبدأ الأمل"، لكن الدولة الوطنية جاءت في الغالب الأعم عصية على مبادئ الدولة الوطنية الحقيقية.

وشخّص جدعان، وهو أستاذ زائر في برنامج الفلسفة في معهد الدوحة للدراسات العليا، قصور مشاريع النهضة التي عرفها الوطن العربي، موجها سهام النقد لتيارات عدة حملت مشروع التغيير باختلاف مشاربها، ومستعرضا معاناة المجتمعات العربية التي طاولها الاستبداد والفقر والفساد، ومؤكداً أن الأزمة التي تعيشها المجتمعات العربية هي "أزمة قيم".

وأشار المحاضر إلى أهم الميزات التي ينبغي التحلي بها للتحرر من التبعية والاستقلال السياسي، والتي تتجلى في مبادئ الحضور والاعتراف والأصالة الذاتية، التي تنبذ التقليد والنسج على مثال الآخرين، أي تمثّل مبدأ الخلق والإبداع وتوجيه الفاعلية الذاتية عن طريق التجديد والتميز والفرادة والحرية والتعبير عن الأنا أو الذات الفردية وعن الذات الجمعية، بمفاهيم وآليات مبتدعة ومستنبطة من المعطيات المباشرة الحية لا من خلال آليات ومناهج ومعطيات ونظم العوالم الثقافية والاجتماعية والسياسية الأخرى.

أكّد الدكتور جدعان أن الأصالة الذاتية تقترن اقترانا شديدا بالأسس والأهداف الجوهرية لمعهد الدوحة للدراسات العليا الذي يرى فيه تفردا في العالم العربي وفاتحة خير، مشددا على ضرورة استنطاق منهج أصيل في العلوم الإنسانية والاجتماعية من خلال معطيات مباشرة تنطلق من الواقع. كما طالب في محاضرته بضرورة التنبه من عملية استيراد المذاهب والمناهج الغربية وزرعها في مجتمعاتنا من غير تمحيص وفحص. وركز على ضرورة توخي الأصالة والإبداع والتميز والحضور الفاعل من خلال إبداع فلسفات خاصة ومبتكرة تنظر مباشرة في مجتمعاتها لتنتج ولادة جديدة للتنور والأنوار.

واختتم الباحث بتأكيد ضرورة إحداث التغيير الضروري والتقدم الحيوي والوجودي في الإنسان العربي، ووضع حد لحالة الاغتراب التي تتلبس الكاتب والمثقف والباحث والفيلسوف والمفكر والعالم، وتوجيه الجهود والطاقات إلى النظر في آلاف القضايا الدقيقة التي تمس البنى العميقة للحياة الإنسانية والاجتماعية. وهذا يحتاج بحسب جدعان إلى البحث العلمي الأصيل الخلاق والتعويل على "الموجة الجديدة" من الطاقات العربية الشابة التي لم يفها السابقون حقها من التقدم والنجاح.