عراقيون يبحثون عن كفلاء لآبائهم

08 فبراير 2017
من يهتمّ بها في غياب الأبناء؟ (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

يكبر الأبناء، فتزيد مسؤولياتهم وانشغالاتهم. يكبر الآباء، فتزيد حاجتهم إلى من يرعاهم. مع عجز الأبناء عن رعاية آبائهم، يعمد هؤلاء إلى البحث عمّن يفعل ذلك بالإنابة.

في تقاليد مجتمعاتنا، من واجب الأبناء رعاية آبائهم، إلا أنّ الأمر يختلف اليوم لدى عدد كبير من العائلات العراقية. ويبرّر الأبناء خياراتهم بظروف تتعلق بطبيعة العمل، أو برفض الزوجة العيش مع حمويها، أو بالدراسة، أو بالسفر. ويبحث هؤلاء عن أشخاص يهتمّون بذويهم لقاء أجر مادي ومع توفير مبيت في كثير من الأحيان.

نهى (47 عاماً) من هؤلاء، وهي موظفة عزباء. تخبر: "توفيت والدتي قبل سنوات، وشقيقاتي متزوجات ووالدي متقاعد ومريض، أمّا شقيقاي فأحدهما متزوّج والثاني أعزب. ولأنّني موظفة، فأنا لا أستطيع رعاية والدي وشقيقي وتحمّل مسؤولية المنزل والضيوف وغير ذلك. لذا أبحث عن امرأة ترعى والدي وتهتم به. ثمّة من يرى ذلك جحوداً، لكنّني مضطرة. وثمّة من ينصح والدي بالزواج، لكنّ إخوتي يرفضون ذلك لأنّها سوف تحصل في النهاية على جزء من الميراث. هم لا يقولون ذلك علناً، لكنّني أظنّ أنّ هذا هو السبب الحقيقي وراء رفضهم".

دار العجزة مرفوض

وتقول نهى إنّ "البعض ينتقد والبعض ينصح، فيما تبقى فكرة وضع والدي في دار لرعاية المسنّين أمراً مرفوضاً بالنسبة إليّ، وإلى الناس بمعظمهم. فالوالدان هما بركة البيت. لا يطاوعني قلبي أن أرمي والدي عند أناس آخرين. أبحث فقط عن امرأة تساعدني وترعى والدي في غيابي. لم أقصد أبداً التخلي عنه، فأنا أحبّه كثيراً ومن واجبي رعايته".

وتتابع نهى: "إذا كنت أخشى شيئاً، إنما أخشى أن أكون عاقّة. لكنّ والدي لم يمانع الأمر لأنّه يرى أنّني في حاجة إلى من يساعدني في المنزل، خصوصاً بعد تأزّم حالته المرضية بالتالي ضرورة من يرعاه ليلاً نهاراً". وتشير إلى أنّ "والدي لم يقبل بتقديم استقالتي من أجل تكريس وقت أكبر لرعايته".

من جهتها، تقول الحاجة هناء أحمد (52 عاماً) وهي أرملة لم ترزق بأبناء، إنّ "نساء مسنّات كثيرات عرضنَ عليّ رعايتهنّ، إذ إنهنّ لا يتمتّعنَ بصحة جيدة. ولأنّني أرملة ومن دون أبناء، يظنّ البعض أنّ في إمكاني رعاية كبيرات في السنّ أو اصطحاب إحداهنّ إلى العمرة لأنّ أبناءها منشغلون بحياتهم مع عوائلهم". تضيف أنّ "قبل أقلّ من شهر، اتصلت بي امرأة مصابة بشلل نصفي ترغب في أداء العمرة، وقد طلبت منّي اصطحابها في مقابل تكفّلها بكلّ مصاريف الرحلة. المرأة متزوجة ولديها أبناء وبنات، لكنّهم بحسب قولها منشغلون وليس لديهم الوقت لمرافقتها إلى بيت الله". وتتابع: "على الرغم من تعاطفي معها، إلا أنّ أوضاعي الصحية تمنعني من قبول العرض. وهذا مجرّد مثال على عروض كثيرة تصلني، لأنّ ثمّة أبناءً يمنعهم مركزهم الاجتماعي أو الأعراف والتقاليد من وضع آبائهم في دور لرعاية المسنين، فيبحثون عمّن يساعدهم أو يرعاهم في مقابل أجر مادي مضاعف".




تفكّك أسري

أمّا فاطمة العزاوي (29 عاماً) وهي نازحة إلى إقليم كردستان العراق تحمل شهادة بكالوريوس في اللغة عربية، فتتحدّث عن أسباب عدم رعاية الأبناء لآبائهم من وجهة نظرها. تقول إنّ ذلك يأتي "نتيجة التفكك العائلي وتأثير الحروب. فالأبناء يقرّرون البحث عن ذواتهم بعدما فشل ذووهم في تحقيق مكاسب مادية نتيجة الظروف التي تمرّ بها مناطقهم. فيصبحون بعيدين عن آبائهم ويبررون ذلك بانشغالهم بأعمالهم التي قد تتطلب منهم المبيت خارج المنزل أو جهداً إضافياً في العمل. ويحاولون التخلص من عبئهم بأيّ طريقة". وتشير العزاوي إلى أنّ "آباءً كثيرين صُدموا بأبنائهم حين أدركوا أنّ لا مكان لهم في بيوت هؤلاء أو أنّ هؤلاء يحاولون التخلص من المسؤولية، عن طريق إقناع الأب أو الأم بضرورة إيجاد شخص يرعاهما. لكنّنا لا يمكننا عدم الإشارة إلى أنّ ثمّة أبناءً يضطرون فعلاً في البحث عمّن يساعدهم".

في هذا السياق، يقول ياسين طه (32 عاماً) وهو متخصص في الشريعة الإسلامية، إنّ "هذا الأمر ظهر في الآونة الأخيرة في مناطق عدّة من محافظات العراق، ولعلّ السبب هو الأحداث الأخيرة التي أدّت إلى إفقار العوائل وكذلك قلّة العمل. كذلك فإنّ نزوح العوائل إلى المدن أدّى إلى تدهور كبير في النظام الأسري". وعن سبل معالجة الأمر، يقول طه إنّ "ثمّة جهداً لا بدّ من أن يبذَل لدعم هذه الشريحة. وهو جهد متعدد المصدر، من منظمات حكومية وغير حكومية ومن منظمات المجتمع المدني في تكثيف الجهود لدعم هؤلاء أو هذه الشريحة الهامة من المجتمع التي تعدّ أهم شريحة، وذلك من خلال توفير كلّ المستلزمات اللازمة".

ويشير طه إلى "ضرورة حثّ المجتمع على الاهتمام بالتماسك الأسري ورعاية الوالدين، أولاً من الجهة الدينية وثانياً من الجهة الإنسانية. يتوجّب على الأبناء عدم التفريط برعاية آبائهم مهما كان عملهم أو انشغالاتهم، وعليهم منح هؤلاء الأولوية وعدم البحث عن تبريرات لتقصيرهم، إلا إذا كان الأمر فعلاً يستوجب اللجوء إلى ذلك، أي البحث عن مساعد لرعاية الأب أو الأم". بالنسبة إليه، فإنّ "استسهال الأمر قد يؤدّي إلى تفكّك أسريّ مستقبلاً في حال لم يعِ الأبناء خطورة ذلك على مستقبلهم مع أبنائهم في وقت لاحق. فالتعامل هو بالمثل وكما تدين تدان". ويشدّد على "أهميّة الحصول على رضا الوالدَين عند اتخاذ مثل ذلك القرار".

دلالات