"غزوات عشائرية" وسط بغداد في وضح النهار

07 اغسطس 2018
سلطة العشائر هي الأقوى(سيباستيان باخوس/Getty)
+ الخط -


يتزايد نفوذ العشائر وسلطتها في قلب العاصمة العراقية بغداد على حساب سلطة الدولة، حتى باتت العاصمة المدنيّة ترتدي ثوب العشيرة بعد أن خلعت رداء التمدن الذي كساها قروناً طويلة.

ووسط عجز حكومي واضح، نشطت "الغزوات العشائرية" في بغداد، والتي تتمثل في اقتحام عشيرة معينة منازل ومناطق مطلوبين لها، وقتلهم أو أسرهم في وضح النهار وسط هتافات تطالب بالثأر، ما تسبب بحالة هلع وخوف لدى الأهالي، في وقت تكتفي الجهات المسؤولة بالتحذير والتعبير عن خطورة الموقف، دون إجراءات أو تدخّل.

وتعمل أحزاب السلطة، التي سيطرت على الحكم منذ عام 2003، على تقوية نفوذها وسلطتها عن طريق إطلاق يد عشائرها، في مجتمع باتت العشيرة فيه هي السلطة الحامية والمدافعة عن أبنائها، حتى أنها تقف بوجه الدولة.

ونشط أخيرا ما يعرف بـ"الغزوات العشائرية" أو "الدكة العشائرية" في قلب العاصمة، وتعني أنّ أي عشيرة تريد مواجهة أي شخص للاقتصاص منه بسبب أي مشكلة كانت كجرائم السرقة أو القتل أو حتى خلافات بين الجيران، تحمل راياتها وأسلحتها المتوسطة والخفيفة، وتتقدم نحو منزله في وضح النهار، وتطلق النار وتمهل صاحبه ثلاثة أيام لحل المشكلة، وفي بعض الأحيان تفعل ذلك على مرأى من الشرطة والجيش العراقي وتحدث خلالها هتافات ورفع رايات وأعلام العشيرة، وتنتج فيها أحياناً عمليات قتل أو خطف أحد من أبناء المنزل المستهدف.

وخلال يوليو/ تموز الماضي، تكررت "الغزوات العشائرية" 28 مرة في بغداد، وتخللتها عمليات إطلاق نار، وفقا لمصادر في الشرطة.



وقبل يومين فقط، أقدمت عشيرة "بني مالك" التي ينتمي إليها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، بغزوة في قلب بغداد، حاملة الرايات والأعلام الممثلة للعشيرة، وهو ما نقلته وسائل الإعلام العراقية. وتوجه العشرات من شبابها وشيوخها وهم يطلقون النار في الهواء من أسلحتهم الخفيفة والمتوسطة، ويرددون شعارات الفخر بعشيرتهم وقوتها ومنعتها، واقتحموا منزل شخص متهم بجريمة قتل طاولت أشخاصا من "بني مالك".

وأقدم مسلحو العشيرة على تمشيط المنزل، بمئات الطلقات النارية قبل اقتحامه. وجرت هذه "الغزوة" في وضح النهار، وكانت الأجهزة الأمنية على مقربة من المنزل، لكنها تجنبت التدخل، والتزمت أماكنها، من دون أن تحرك ساكنا، حتى انسحبت العشيرة وهي تجول في الشوارع حاملة راياتها.

وتثير الغزوات العشائرية، حالة من الرعب والخوف لدى الأهالي، حيث باتت الرايات علامة دالة على القتل والرعب. ويقول المواطن أبو عماد، وهو من أهالي منطقة الشرطة الخامسة في بغداد، لـ"العربي الجديد": "عندما نرى الرايات العشائرية ترفع في الشوارع وتجول فيها، ونسمع الهتافات والطلقات النارية نستشعر الخوف والرعب، ونلجأ إلى البيوت ونقفل الأبواب علينا".

ويضيف: "هذه الظاهرة باتت من أكثر ظواهر الرعب في البلاد، وهي مشهد يتكرر باستمرار، فنحن لا نعلم إلى أين تتوجه العشيرة، حتى نسمع كثافة الطلقات النارية وتحطيم نوافذ وأبواب أحد المنازل".

وينتقد أبو عماد "عجز الحكومة عن مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، التي تعكس ضعف إرادة الدولة وسلطتها أمام العشائر، ما يعني أنّ المواطن لا يستطيع بعد اليوم أن يحتمي بالدولة، فلا مناص له من اللجوء إلى العشيرة".

ووسط هذا العجز الحكومي في مواجهة غزوات العشائر، لا تجد الجهات المسؤولة عن حقوق الإنسان في البلاد، سوى الانتقاد والتحذير من خطورة هذه الظاهرة.

ويقول عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية، فيصل قاسم، في بيان صحافي: "ما يجري من نزاعات عشائرية داخل المدن هو تهديد للأمن والسلم المجتمعي، فالنزاعات العشائرية باتت ظاهرة خطيرة تلقي بظلالها على الشارع، وتؤدي إلى تفكك بنية المجتمع ووحدته، ما يتيح المجال لتفشي استخدام العنف المفرط بين المواطنين، كما يورث الأحقاد والثارات العشائرية التي تحصد المزيد من أرواح الأبرياء".

ويعرب عن قلقه من "هذه الأعمال الناتجة من الولاء العشائري، خلافا للولاء للوطن والانتماء إلى المجتمع"، داعيا المتضررين من تلك النزاعات، إلى "عدم الرد بالمثل عليها، أو الانتقام من الطرف الآخر، بل اللجوء إلى القانون وجعل القضاء هو الفيصل في إرجاع الحقوق وتنفيذ الحكم العادل، بدلا من المزيد من إراقة الدماء وإشاعة روح البغضاء والكراهية".

ويدعو الأجهزة الأمنية والمؤسسات المعنية إلى "أخذ دورها ببسط نفوذها وفرض سلطة القانون"، مركزاً على "الدور البارز للمؤسسات الدينية، وعلماء الدين، ومنظمات المجتمع المدني، في إشاعة قيم التسامح والمحبة وإفشاء السلام ليحل الأمان في البلد".

ويطالب شيوخ ووجهاء العشائر بـ "العمل الجاد لإنهاء تلك الصراعات المسلحة، كونها تودي بحياة الأبرياء، وتتسبب بترويع السكان الآمنين، وهي انتهاك لحقوق الإنسان وللقانون".

يشار إلى أنّ ضعف مؤسسات الدولة بعد عام 2003 تسبب بنشاط للعشائر، التي تبنت بدورها توفير الحماية والدعم لأبنائها، ما زاد من قوة العشيرة ونفوذها على حساب سلطة الدولة.