الفن الثوري يُحتضر

05 فبراير 2014
+ الخط -

الفن سلاح الثورة الذي تحاول السلطة دائماً إسكاته وقمعه، وكما أطلق ميدان التحرير شرارة ثورة الشباب، فإنه كان حاضناً وراعياً لإبداعاتهم وفنهم، وخصوصاً أنها كانت محفزاً للمتظاهرين المعتصمين في ميدان التحرير (وسط القاهرة) طوال الـ 18 يوماً، وتحول خلالها برد يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط القارس إلى دفء مع اشتعال حماسة المعتصمين بالغناء أو الرسم أو السخرية، وظهرت المواهب التي سمّيت "الفن البديل".

وكان فن الرسم على الجدران (الغرافيتي) أحد أهم الفنون التي ازدهرت مع الثورة، وتطورت حتى أصبحت جدران العديد من الشوارع والميادين المصرية لساناً فصيحاً يعبّر عن الثورة ويؤرّخ لأحداثها ويحكي همومها ويخلّد ذكر شهدائها بجداريات ولوحات فنية بدأت مبكراً منذ أيام التحرير الأولى حين تكوّنت "رابطة فناني الثورة" واستمرت بصور ورموز وأشكال لم تتوقف عن الإبداع يوماً.

هاجر صلاح من بين الرسامين المعروفين في هذا المجال، وتقول إن الغرافيتي فنّ تحريضي هدفه توثيق أحداث الثورة، وتذكير الناس بالشهداء الذين سقطوا خلالها حتى لا ينسوهم، وعلى الرغم من وجود هذا الفن في مصر قبل 25 يناير/ كانون الثاني إلا أن الثورة أعطت مساحة أكبر للغرافيتي للظهور، ومكّنتها هي وزملاءها من التعبير عن رغبتهم في التغيير من خلال الرسم على الجدران.

العديد من مجالات الفن الأخرى جمعها ميدان التحرير وأخرجها للجمهور الذي أراد التغيير، ليس فقط في النظام الحاكم، بل في مفهوم الإبداع أيضاً.

رامي عصام أو "مغنّي الثورة"، كما أطلق عليه داخل ميدان التحرير، هو من المواهب التي لمعت خلال أيام ثورة يناير/ كانون الثاني، حيث كان يغنّي كلمات ثورية تلهب المعتصمين، وتزيد إصرارهم على البقاء حتى رحيل مبارك عن الحكم.

كانت بداية رامي قبل الثورة بأعوام قليلة حين أنشأ فرقة غنائية تدعى "مشاكل"، لكن شهرته بدأت مع الثورة، حيث وجد في نفسه القدرة على تأليف وتلحين كلمات ثورية، فصعد إلى منصة الاعتصام وأمسك بالغيتار وبدأ يغنّي أولى أغانيه "ارحل" التي اقتبس كلماتها من الشعارات التي هتف بها المتظاهرون في الميدان.

كذلك ظهر باسم يوسف بحسه الكوميدي، لينتقد بشكل ساخر تعامل السلطة العنيف مع المتظاهرين وتخوينها لكل من يعارضها.

عودة القمع

الأوضاع بدأت في التغير بعد أحداث 30 يونيو/حزيران التي أدت إلى عزل محمد مرسي، حيث زادت الرقابة على "الفن البديل"، بحسب ما يقول رامي عصام، الذي أوضح أن نظام دولة "مبارك" عاد من جديد بأسلوبه القمعي لكن بوجوه مختلفة، والنظام الحالي يقوم بمحاربة أي صوت معارض له.

ويضيف "عصام" أن الدولة عادت أيضاً لدعم الفن التجاري "غير الهادف" مادياً من خلال إنفاق المنتجين عليه، وكذلك إفراد القنوات مساحات لعرضه حتى تعطيه انتشاراً أكبر على حساب الفن البديل الذي يحكي الواقع ولا يعمل على تسطيح العقول وتغييبها، موضحاً أن قنوات الإعلام المصري لم تعد تستضيفه كما كان يحدث قبل 30 يونيو لأنه بالنسبة لهم معارض للسلطة.

ويذكر "رامي" واقعة منع الأمن له من إحياء حفلة خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب المنعقد حالياً، اعتراضاً على أغنياته التي ينتقد فيها قمع الحريات وعنف الشرطة تجاه المعارضين، بالإضافة إلى هجومه على المجلس العسكري، حيث قطع رجال الأمن الصوت عن الميكروفون أثناء غنائه وطالبوه بمغادرة المكان.

وليس بعيداً عن ذلك سعي السلطة إلى إصدار قانون يجرّم الرسم على الجدران ويصل بعقوبته إلى الحبس 4 سنوات و100 ألف جنيه غرامة.

وتضيف "هاجر" رسامة الغرافيتي أن منع هذا الفن ومحاربته لم يعد مقتصراً على قوات الأمن، بل يشارك في ذلك المواطنون العاديون الذين يهاجمون كل من يرسم على الجدران ليثبت موقفاً ويوثّق حدثاً تمر به مصر، بعبارات مثل "أنتم خونة"، أو "عاوزين ايه انتو خربتوا البلد"، كما يتطوعون لمسح صور الشهداء والشعارات الثورية بـ"البوية" البيضاء والبخّاخات السوداء.

وتقول "هاجر"، إن الفترة الحالية تشهد عنفاً تجاه كل من شارك في الثورة باعتبارها "نكسة"، لكنها توضح أن الرسامين لم يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يشاهدون مسح شهادتهم للتاريخ من على الجدران، فقد ابتكروا طرقاً أخرى لنشر أفكارهم من خلال الرسم على الملابس "القمصان والتيشيرتات"، بحيث يكتبون عبارات مؤيدة للثورة ويرسمون صور الضحايا الذين سقطوا خلال الأحداث الماضية، لتصبح هذه الملابس برسومها إعلاماً ينقل الفكرة.

فن 30 يونيو

يبدو أن القمع الذي يتعرض له معارضو السلطة الحاكمة لم يمنع من ظهور موهوبين آخرين تمكّنوا من إيصال أفكارهم إلى الشارع، ومن أبرز الأمثلة على ذلك "ألش خانة"، التي يقدمها الطبيب الشاب "علي"، الذي ومع حالة الخلط المعلوماتي التي يعيشها الشارع المصري، وجد أنه من الأفضل أن يعرض الحقائق التاريخية بشكل صحيح ويقوم بإسقاطها على أحداث وقعت في مصر.

"علي"، يقدّم أفكاره من خلال مقاطع فيديو يقوم بتصويرها ونشرها على موقع يوتيوب، ولأنه لا يقيم في مصر حالياً، فهو بعيد عن الملاحقة الأمنية - كما يقول - وبالتالي فإن لديه قدراً من الحرية في عرض أفكاره.

اتجاه "علي" لم يكن تقديم الفكاهة، لأنه لا يرى نفسه خفيف الظل، فهو يستعين من أجل ذلك بفريق مكوّن من 10 أفراد يقومون بجمع المعلومات من مصادر مختلفة حول الموضوع المقترح، والتحقق منها قبل عرضها، وقد حصدت حلقاته عدداً كبيراً من المشاهدات على اليوتيوب.

دلالات
المساهمون