كبار السنّ... مشاكل نفسيّة وصحيّة

22 اغسطس 2016
لا بدّ من مقاربة الجانب النفسي كعامل أساسي(جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -
قبل أن نغرق في تفاصيل أوضاع كبار السنّ في مناطق عربية محددة، لا بدّ من مقاربة الأوضاع الصحية والاجتماعية التي يعانيها هؤلاء. وهذه سمة شبه مشتركة بين المسنين من البشر، فيما يتمثّل الفارق في توفير المقومات والإمكانات للاهتمام بهؤلاء ورعايتهم وتحمّل مسؤوليتهم.

في المجتمعات المتقدمة، تتوفّر أنظمة متطورة للخدمات والتقاعد والرعاية، فيما تتخلّف المجتمعات الأخرى عن توفير ما يتوجّب لصالح هؤلاء. وتحيل الأخيرة الأمر برمّته على عاتق الأسرة، التي لا حول لها في غالب الأحيان، في تحمّل تكلفة الرغيف والدواء وعلاج الأمراض، سواء أكانت مزمنة أو غير مزمنة. الاتّكال على أخلاق الأسرة وجملة العادات والتقاليد ليس حلاً ناجعاً، في وقت تتخلّى فيه الدولة بأجهزتها الصحية والاجتماعية عن تحمّل مسؤولية هؤلاء، الذين أدّوا خدمتهم المجتمعية عندما كانوا يقومون بما عليهم من واجبات.

بداية، لا بدّ من مقاربة الجانب النفسي في حياة كبار السنّ كعامل أساسي. ليس أمراً بسيطاً أن يصبح رجل أو امرأة فجأة ومن دون سابق إنذار، في موقع هامشي، ليس في سوق العمل والإنتاج فحسب، إنما في داخل منظومة الأسرة نفسها. فيتعرّض كبير السنّ مهما كان دوره الاجتماعي، إلى ما يشبه الإزاحة عن موقعَيه الإنتاجي والأسري، من جهة قوانين العمل والتقاعد، وكذلك من جهة أفراد الأسرة من أبناء وبنات. وهو ما يولّد لديه حالة سيئة تفتح على أمراض بالغة الخطورة على الصعيد النفسي، وغالباً ما تتعداه إلى الجانب الجسدي.

الوضع النفسي السيئ يؤدّي إلى أوضاع جسدية سيئة. واللافت أنّ النظام الطبي ونظام الضمان الاجتماعي نفسه يساهمان في ذلك، من خلال عدم إيلاء هذا الجانب الاهتمام الذي يستحقّ. قبل سنوات قليلة أقرّ بدور الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية في علاج كبار السنّ، فيما ثمّة أدوية لازمة لا يغطّيها الضمان. وهو ما يؤدّي إلى تفاقم مشاكل معقدة من نوع نسبة السكر في الدم وسلس البول وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم ووجع المفاصل وعدم انتظام النوم، بالإضافة إلى الزهايمر والخرف والشلل الرعاش أو الباركنسون.

إلى ذلك، قد يقود الاكتئاب وعدم الحصول على الرعاية الصحية والنفسية إلى انتحار بعض كبار السنّ، بعدما وجدوا أنفسهم منبوذين يفتقرون إلى الحدّ الأدنى من مقوّمات العيش والرعاية. وتأتي حالات فقدان الذاكرة والنسيان وعدم التمكّن من تذكّر المواعيد، والصعوبة في النطق، إلى جانب مشاكل الجهازين السمعي والبصري، مجرّد عناوين من بين أخرى كثيرة في يوميات هؤلاء، الذين تتفاقم صعوبات حياتهم عندما يتجاهل المشرّعون أوضاعهم.

*أستاذ جامعي

المساهمون