هربوا من القصف إلى البحر.. فلاحقهم الموت

17 يوليو 2014
فجعت العائلة بفقدان أربعة من أطفالها(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

تناثرت أشلاء عاهد وزكريا ومحمد وإسماعيل بكر، على رمال شاطئ مدينة غزّة، بعدما استهدفتهم الطائرات الإسرائيليّة والزوارق الحربيّة بقذائف عدّة، لتبقى الكرة التي كان يلهو بها هؤلاء الصغار شاهدة على المجزرة.

ويسكن الحزن ووجع الفراق منزل عائلة بكر والمنازل المجاورة له في مخيّم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزّة، بعدما فجعت العائلة بفقدان أربعة من أطفالها كبيرهم لم يبلغ عامه الحادي عشر بعد.

لكن، من سوء حظ جيش الاحتلال الإسرائيلي أن موقع استهداف أطفال عائلة بكر أتى خلف فندق سياحي مزدحم بالصحافيّين الأجانب الذين وثقوا بكاميراتهم لحظة انتشال جثث الصغار الأربعة. وكان صحافي فلسطيني قد تمكّن من التقاط صور للأطفال من أعلى برج قريب، وهم يهربون من القصف قبل أن تصيبهم قذيفة بشكل مباشر.

أحمد بكر (13 عاماً) كان برفقة الشهداء الأربعة، على الشاطئ. يقول لـ"العربي الجديد"، "اعتدنا الذهاب إلى البحر ولعب الكرة على الشاطئ. وبعد نحو نصف ساعة من وصولنا في الأمس، لاحظنا اقتراب زورق حربي إسرائيلي من الشاطئ، فهربنا".

يضيف "ومن دون سابق إنذار سقطت قذيفة بجوارنا، فأصيب بعضنا، فيما اختبأ إسماعيل داخل إحدى الغرف (البركسات) والتي قصفت بصاروخ من طائرة حربيّة بدون طيار". ومن شدّة قوّة الانفجار، تطايرت جثة إسماعيل في الهواء وسقطت على بعد نحو سبعة أمتار من الغرفة.

على الأثر، هرع محمد وزكريا وعاهد مسرعين نحو ابن عمهم. لكن قذيفة أخرى كانت لهم بالمرصاد، "فقتلوهم جميعاً"، يقول أحمد.

أما المنتصر بالله والذي اختبأ داخل حفرة نتجت بفعل القذيفة الأولى، فكل ما يستذكره هو مشهد تساقط القذائف والصواريخ على رفاقه الذين عاش معهم وتعلّم معهم وكاد كفن الموت يجمعهم.

وعلى أحد أسرّة مجمّع الشفاء الطبي في مدينة غزّة، يشير المنتصر بالله الذي اخترقت الشظايا جسمه الفتي، إلى أنه كان يقضي معظم أوقاته برفقة الشهداء باللعب واللهو على الشاطئ.. "هناك كان المكان الوحيد الذي كنا نشعر فيه بالراحة والحريّة".




وعندما بُثّ شريط إخباري حول استشهاد أربعة أطفال على شاطئ بحر غزّة، كاد قلب والدة عاهد أن ينفطر وهي لم تعلم بعد أن صغيرها من بينهم. وخرجت مهرولة نحو مستشفى الشفاء القريب من منزل العائلة، لتُصدم بأن ابنها يرقد في إحدى ثلاجات الموتى.

وتبكي الأم الثكلى طفلها قائلة لـ"العربي الجديد"، "بعد أذان الظهر، استأذن مني عاهد للذهاب إلى البحر. رفضت، فألحّ عليّ بالطلب، وواقفت كي لا يغضب". تضيف "يبدو أن عاهد اشتاق إلى البحر، لكن شوق الجنة إليه كان أكبر".

ويعتصر الألم قلب والد الشهيد إسماعيل، الذي يسأل مستهجناً "ما ذنب عاهد وزكريا ومحمد وإسماعيل؟ لم تكن معهم صواريخ، إنما كانوا يلعبون بعيداً عن صوت القصف وشاشات التلفزة التي كانت تبثّ مشاهد لمجازر يشيب منها الولدان".

ويلفت أبو إسماعيل إلى أن آخر ما كانت تتوقعه العائلة هو أن تستهدف النيران الإسرائيليّة أطفالنا الصغار الذين لا يجدون لهم منفذاً سوى البحر، واصفاً ما جرى بالمجزرة.

أما صبحي شقيق الشهيد زكريا، فيقول وما زالت آثار الصدمة واضحة على وجهه، "إسرائيل توجّه جام غضبها على أطفال غزّة بعدما فشلت في الوصول إلى رجال المقاومة".

اعتذار غير مقبول

إلى ذلك، أعلنت مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان في قطاع غزّة رفضها اعتذار قوات الاحتلال عن الجريمة التي ارتكبت بحق أطفال عائلة بكر، معتبرةً أنها "استخفاف بأرواح الأطفال الذين راحوا ضحيّة القصف الإسرائيلي المباشر".

وأوضحت المؤسسة الحقوقيّة أن الاعتذار الإسرائيلي جاء بعد ظهور تسجيلات مصوّرة مباشرة على شاشات الإعلام. وتشير إلى أن قوات الاحتلال، ومن خلال نتائج عدوانها على غزّة، بيّنت أنها كانت تستهدف المدنيّين، وأن عدداً كبيراً من الضحايا كانوا حتى الآن من الأطفال.

وطالبت "الضمير" مجلس حقوق الإنسان بتشكيل لجنة تحقيق في العدوان الإسرائيلي وما أحدثه من جرائم ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة وجرائم إبادة جماعيّة. ودعت إلى عدم إهمال نتائج التحقيق، محذّرةً من التضحية بحقوق الإنسان وحقوق الضحايا لصالح جرائم الاحتلال الإسرائيلي.