لسنا في الحرب الأهلية نفسها التي عاشها أهلنا وبعض منا على مدى 15 عاماً. لكنّ الدروس المستقاة من تجربة "تنذكر وما تنعاد"، ملحة في الوقت الحاضر. فاسألوا الكبار أين خبّأوا أموالهم قبل فوات الأوان
قبل البدء، لا بدّ من الإشارة إلى أن هذا الموضوع ليس موجهاً إلى اللصوص، وإن كان يُتوقّع أن يتحوّل كثيرون إلى لصوص في المستقبل القريب، إذا ما بقي الحال على ما هو عليه. والحال أن الناس خائفون على كلّ "قرش" يملكونه. ماذا لو خسروا كلّ شقاء العمر؟ ولو كان المبلغ بسيطاً جداً، يبقى أنه جُمع بعد تعب.
حدث أن "هرع" اللبنانيون إلى المصارف لسحب ما يملكون من أموال، بعدما فتحت أبوابها الأسبوع الماضي. و"الهرع" و"الهلع" يتكاملان هُنا. والوجوم الناجم عن قلق مُفرط بادٍ على الوجوه، لم يكن موجوداً حتى خلال الحرب الأهلية التي استمرّت 15 عاماً. أولئك الذين عاشوا الحرب الأهلية لم يخشوا نفاد المال. "على الرغم من الحرب، لم ننقطع من المال، بل كانت أيام خير، مالياً على الأقل". حسناً لا شك أن ذلك يبدو مضحكاً، لكن في تلك الفترة، دخلت البلاد أموال كثيرة. إلا أن الثقة بذلك الخير لم تكن "تامة"، وكان على الناس تخبئة ما يدّخرونه في أمكنة آمنة، تماماً كما بدأ يفعل الناس الذين استطاعوا سحب أموالهم من المصارف أخيراً، قبل "فوات الأوان".
اقــرأ أيضاً
العليّة الموجودة في معظم البيوت كانت مكاناً مناسباً. ليس لأن اللّص لن يفكّر في الاستعانة بالسلّم حتى يطالها ويبحث عن تخبئة الأموال في هذا المكان الضيق. لا. أم أحمد كانت تضع تنكة الزيت الاحتياطية في العليّة. ولأن أحداً لن يشكّ في احتمال أن تضع المال في التنكة، فاعتمدها سنوات طويلة، وكانت تكتفي بتغطيتها بقطعة قماش. جارتها اعتمدت أسلوباً مختلفاً، وعلى الأرض، من دون الحاجة إلى أية سلالم. هي من اللواتي كن يضعن أدوات التنظيف فوق ورقة جريدة داخل خزانة بمتناول اليد. وفكّرت أنها لم تجد مكاناً أكثر أماناً من وضع المال تحت الجريدة، وقد حرصت على توزيعه بشكل جيّد، حتى لا يظهر نتوء من أي جهة. ولحسن حظهما أنّ الجارتين لم تسرقا يوماً.
وتذكر ندى أن والدها كان يخبّئ المال في بنطالها ذي الجيوب الكثيرة. ولمّا كان يشتدّ القصف ويضطرون للنزول إلى الملاجئ، يطلب منها ارتداءه. تقول ضاحكة: "كان يخاف عليّ كثيراً حين كنت أرتديه". وظلّ هذا البنطال منقذ العائلة من الإفلاس لفترة من الوقت. وحين كبرت، وصارت جدة في الوقت الحالي، صار أولادها يضعون المال معها لأنها تحسن إخفاءه، خصوصاً خلال الأيام الأخيرة. وهي، وغيرها من الأشخاص الذين عايشوا الحرب، لديهم خبرة في تخبئة المال. وضعت جزءاً من المال بين فوط التنظيف المنزلية، وقسماً آخر في أكياس من النايلون. بالنسبة إليها، ذلك أكثر أماناً من شراء خزنة.
طارق يتذكّر والدته تضع المال في الثلاجة، وتحديداً داخل الفروج. وداخل الـ"عبّ"، أي في حمالة الصدر. هذا المخبأ يعدّ الأكثر أماناً. فاللّص لا يمكنه أن يكون سارقاً ومتحرشاً في آن. لذلك، كان "العبّ" مخبأً معتمداً، ولكن للاحتياجات اليومية فقط.
اقــرأ أيضاً
عادة ما تفكّر النساء بتخبئة المال في المطبخ وتوابعه، كالغسالة والطناجر وأدوات التنظيف وغيرها. أما الرجال، فلهم أساليب مختلفة، وإن كان كثيرون يسلّمون هذه المهمة للنساء، لاعتقادهم أنهن أكثر حنكة في أمور كهذه. خلال الحرب الأهلية، ظن رائد أن جهاز التكييف قد يكون مكاناً آمناً لتخبئة ماله. لكنه لم يفكر في أن اللصوص قد يسرقون جهاز التكييف. هكذا خسر الجهاز والمال دفعة واحدة. لكنّ صديقه إياد بدا أكثر حنكة. عمد إلى تمزيق "كاوتشوك" إطار سيارة عتيق، ووضع في داخله كل ما يملكه من مال وذهب، ثم أعاد تصليحه، ووضعه عند شرفة في المنزل. وربّما يكون هذا الحل بمثابة تجميد الأموال في البيوت. آخر، وضع المال في إطار، من دون أن يصلحه. فأحد لا يخطر له أنه يمكن وضع المال في إطار ممزق.
أما اليوم، المستفيد من الواقع الحالي هو بائعو الخزنات، الذين يقولون إنها تنفد. أولئك الذين حالفهم الحظ بسحب أموالهم من المصارف قبل "الحصار" والمنع، كانوا أمام خيارين: إما وضعها في خزنات أو البحث عن بدائل. وكلّ ما يمكن إقفاله، باستثناء الخزنات، ليس خياراً. البعض يضع المال في قناني اللبن الفارغة، ويتركونها في الثلاجة، أو داخل علب الفلفل.
وفي حال صودف أن قرأ لصٌّ هذه المادة، لن تكون عملية البحث في المنازل سهلة بالنسبة إليه. وأكثر، عليه أن يتأكد أن البيت سيكون فارغاً لوقت أطول. لكنّ المادة ليست للصوص. هي واقعنا البديل عن المصارف، فحين تغلق أبوابها، وهو ما يبدو أنه سيحصل لفترة طويلة، لن يبقى أمام المواطن غير الاعتماد على نفسه. لكن حذارِ وضع المال تحت الفراش، لأن هذا المكان تحديداً بات معروفاً. آه. وأيضاً جيوب المعاطف. اسألوا النساء.
حدث أن "هرع" اللبنانيون إلى المصارف لسحب ما يملكون من أموال، بعدما فتحت أبوابها الأسبوع الماضي. و"الهرع" و"الهلع" يتكاملان هُنا. والوجوم الناجم عن قلق مُفرط بادٍ على الوجوه، لم يكن موجوداً حتى خلال الحرب الأهلية التي استمرّت 15 عاماً. أولئك الذين عاشوا الحرب الأهلية لم يخشوا نفاد المال. "على الرغم من الحرب، لم ننقطع من المال، بل كانت أيام خير، مالياً على الأقل". حسناً لا شك أن ذلك يبدو مضحكاً، لكن في تلك الفترة، دخلت البلاد أموال كثيرة. إلا أن الثقة بذلك الخير لم تكن "تامة"، وكان على الناس تخبئة ما يدّخرونه في أمكنة آمنة، تماماً كما بدأ يفعل الناس الذين استطاعوا سحب أموالهم من المصارف أخيراً، قبل "فوات الأوان".
العليّة الموجودة في معظم البيوت كانت مكاناً مناسباً. ليس لأن اللّص لن يفكّر في الاستعانة بالسلّم حتى يطالها ويبحث عن تخبئة الأموال في هذا المكان الضيق. لا. أم أحمد كانت تضع تنكة الزيت الاحتياطية في العليّة. ولأن أحداً لن يشكّ في احتمال أن تضع المال في التنكة، فاعتمدها سنوات طويلة، وكانت تكتفي بتغطيتها بقطعة قماش. جارتها اعتمدت أسلوباً مختلفاً، وعلى الأرض، من دون الحاجة إلى أية سلالم. هي من اللواتي كن يضعن أدوات التنظيف فوق ورقة جريدة داخل خزانة بمتناول اليد. وفكّرت أنها لم تجد مكاناً أكثر أماناً من وضع المال تحت الجريدة، وقد حرصت على توزيعه بشكل جيّد، حتى لا يظهر نتوء من أي جهة. ولحسن حظهما أنّ الجارتين لم تسرقا يوماً.
وتذكر ندى أن والدها كان يخبّئ المال في بنطالها ذي الجيوب الكثيرة. ولمّا كان يشتدّ القصف ويضطرون للنزول إلى الملاجئ، يطلب منها ارتداءه. تقول ضاحكة: "كان يخاف عليّ كثيراً حين كنت أرتديه". وظلّ هذا البنطال منقذ العائلة من الإفلاس لفترة من الوقت. وحين كبرت، وصارت جدة في الوقت الحالي، صار أولادها يضعون المال معها لأنها تحسن إخفاءه، خصوصاً خلال الأيام الأخيرة. وهي، وغيرها من الأشخاص الذين عايشوا الحرب، لديهم خبرة في تخبئة المال. وضعت جزءاً من المال بين فوط التنظيف المنزلية، وقسماً آخر في أكياس من النايلون. بالنسبة إليها، ذلك أكثر أماناً من شراء خزنة.
طارق يتذكّر والدته تضع المال في الثلاجة، وتحديداً داخل الفروج. وداخل الـ"عبّ"، أي في حمالة الصدر. هذا المخبأ يعدّ الأكثر أماناً. فاللّص لا يمكنه أن يكون سارقاً ومتحرشاً في آن. لذلك، كان "العبّ" مخبأً معتمداً، ولكن للاحتياجات اليومية فقط.
عادة ما تفكّر النساء بتخبئة المال في المطبخ وتوابعه، كالغسالة والطناجر وأدوات التنظيف وغيرها. أما الرجال، فلهم أساليب مختلفة، وإن كان كثيرون يسلّمون هذه المهمة للنساء، لاعتقادهم أنهن أكثر حنكة في أمور كهذه. خلال الحرب الأهلية، ظن رائد أن جهاز التكييف قد يكون مكاناً آمناً لتخبئة ماله. لكنه لم يفكر في أن اللصوص قد يسرقون جهاز التكييف. هكذا خسر الجهاز والمال دفعة واحدة. لكنّ صديقه إياد بدا أكثر حنكة. عمد إلى تمزيق "كاوتشوك" إطار سيارة عتيق، ووضع في داخله كل ما يملكه من مال وذهب، ثم أعاد تصليحه، ووضعه عند شرفة في المنزل. وربّما يكون هذا الحل بمثابة تجميد الأموال في البيوت. آخر، وضع المال في إطار، من دون أن يصلحه. فأحد لا يخطر له أنه يمكن وضع المال في إطار ممزق.
أما اليوم، المستفيد من الواقع الحالي هو بائعو الخزنات، الذين يقولون إنها تنفد. أولئك الذين حالفهم الحظ بسحب أموالهم من المصارف قبل "الحصار" والمنع، كانوا أمام خيارين: إما وضعها في خزنات أو البحث عن بدائل. وكلّ ما يمكن إقفاله، باستثناء الخزنات، ليس خياراً. البعض يضع المال في قناني اللبن الفارغة، ويتركونها في الثلاجة، أو داخل علب الفلفل.
وفي حال صودف أن قرأ لصٌّ هذه المادة، لن تكون عملية البحث في المنازل سهلة بالنسبة إليه. وأكثر، عليه أن يتأكد أن البيت سيكون فارغاً لوقت أطول. لكنّ المادة ليست للصوص. هي واقعنا البديل عن المصارف، فحين تغلق أبوابها، وهو ما يبدو أنه سيحصل لفترة طويلة، لن يبقى أمام المواطن غير الاعتماد على نفسه. لكن حذارِ وضع المال تحت الفراش، لأن هذا المكان تحديداً بات معروفاً. آه. وأيضاً جيوب المعاطف. اسألوا النساء.