"موسكو الصغرى" تحت حكم "داعش"

08 ديسمبر 2016
حال موحسن من حال دير الزور (أحمد عبود/فرانس برس)
+ الخط -
تقع مدينة موحسن على الضفة اليمنى لنهر الفرات، بعيدة عن مدينة دير الزور بنحو 20 كيلومتراً. بلغ عدد سكانها نحو 25 ألف نسمة عام 2010. هي مدينة صغيرة تعتبر نموذجاً للتناقضات في المجتمع السوري. فهي أولى المناطق التي ثارت على الإقطاع في بدايات القرن الماضي. كذلك، كانت تتصدر المنطقة بنسبة المتعلمين بين السكان وبأعداد الشيوعيين أيضاً، حتى أطلق عليها السوريون لقب "موسكو الصغرى" في عهد الاتحاد السوفييتي السابق.

موحسن، مثلها مثل العديد من المناطق السورية في ظل حكم النظام السوري، أنهك الفقر أهلها وجعل طوق النجاة الوحيد الوظيفة في مؤسسات الدولة أو التطوع في المؤسسات العسكرية. بذلك، بات معظم شبابها ضباطاً وضباط صف وجنوداً. وكان هؤلاء دائماً محافظين على تميزهم.

يعتبر أبناء موحسن من محركي الانتفاضة الشعبية ضد النظام في مدينة دير الزور. هم الذين هجّرهم الفقر وضعف التنمية عنها، فتمركزوا في أحياء محددة في الدير. كانت هذه الأحياء بالذات هي شرارة الحراك. ومع تنامي العنف المفرط، انشق الكثير من أبنائها العسكريين عن قوات النظام، إلا أنّ الوقت لم يسعفهم لتقديم أنفسهم كما يحبون، فسرعان ما تسارعت الأحداث والصراعات في المنطقة مع حضور جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام، مستغلة حالة الحقن الشعبي ومغازلة العصب الديني، ليخلفها تنظيم "داعش". بذلك، تشرّد معظم أهل موحسن داخل وخارج البلاد، لتبقى المدينة أحد أهم معاقل "داعش" في المنطقة حتى اليوم.




في هذا الإطار، يقول الناشط في دير الزور عامر هويدي لـ "العربي الجديد" إنّ "أهالي دير الزور عامة، كحال أهل مدينة موحسن في ريفها الشرقي، يعانون من أوضاع معيشية سيئة في ظلّ الممارسات اليومية لداعش، التي تسببت بانحسار النشاط الاقتصادي إلى حدوده الدنيا". يضيف أنّ "موحسن كغيرها من بلدات ومدن دير الزور، شهدت حركة نزوح كثيفة للمدنيين، خلال المواجهات بين الفصائل المسلحة المعارضة والقوات النظامية، ازدادت مع انقطاع الرواتب وقلة العمل، وكانت وجهتهم الرئيسية تركيا، حيث استقروا في مخيماتها الحدودية".

يتابع أنّ دخول "داعش" إلى المنطقة "زاد من هجرة العائلات خصوصاً الشباب، ليتوجه من بقي في المدينة إلى العمل في الزراعة، التي تعاني من عدم توفر الريّ اللازم وإدارة المحاصيل والتسويق، وتربية الحيوانات، في محاولة منهم لتأمين الاحتياجات المعيشية. كذلك، يعتمد معظم من بقي على الحوالات المالية من الأقارب في الخارج التي تشكل عامل صمود مهماً للأهالي".

يوضح هويدي أنّ "الوضع الصحي تدهور مع دخول داعش المدينة، ما تسبب في توقف عمل جزء كبير من المستشفى الميداني، ومركز المعالجة الفيزيائي المستقل، جراء تدخل التنظيم في صلب عملهم، وفرض شروط محددة للعمل على القائمين عليه". يتابع أنّ المستشفى كان يضم عدداً من الاختصاصات وصيدلية مجانية أغلقت بعد وقت قصير.

وعن توفر المياه في المنطقة، يشير إلى أنّ "موحسن تعتمد على محطتين، تعملان حين تتوفر الكهرباء. يديرهما اليوم بعض الموظفين السابقين، وآخرون جرى توظيفهم من قبل تنظيم داعش براتب شهري". ويلفت إلى أنّ "التنظيم زاد من تضييقه على المدنيين في الفترة الأخيرة، على جميع المستويات يوماً بعد آخر، خصوصاً بعد قيام التنظيم بمنع خروج المدنيين من مناطقه".

يشار إلى أنّ ناشطين معارضين يتخوفون من صدق التحليلات والتوقعات التي تفيد أنّ هناك توافقاً على أن تكون دير الزور هي المحطة الأخيرة لتنظيم "داعش" في سورية والعراق. يقول هؤلاء إنّ التوقعات تشير إلى أنّ العمل جار منذ فترة على دفع قوات التنظيم من العراق ومناطق سورية الأخرى إلى دير الزور، وحصارهم هناك في معركة طويلة قد تستغرق سنوات.

موح حسن في الأصل
تعود تسمية موحسن التي تلقب أيضا بـ"البوخابور" إلى كلمتين "موح" و"حسن". الموح هي الأرض التي تنسحب منها مياه النهر الفائض، وحسن هو اسم شخص امتلك تلك الأرض. دمجت الكلمتان مع الزمن في كلمة واحدة تلفظ محلياً مشددة "موحّسن". أما البوخابور فهي تسمية عشائرية، تدل على أحد فروع عشائر العقيدات.