مناطق عطشى في تونس

03 يونيو 2016
كل صيف تتكرر معاناة أهالي الشمال الغربي (العربي الجديد)
+ الخط -
يومياً، في ساعات الفجر الأولى، تقصد فاطمة عريضي وسط القرية لتملأ المياه من الصهريج قبل أن تشتد درجات الحرارة. لكن أحياناً، تعود إلى البيت من دون مياه بسبب نفادها. تقول فاطمة التي تعيش في كاف الضرابين في منطقة عين دراهم (شمال غرب): "منذ عام 2012، أشرب وكذلك باقي الأهالي من مياه الصهريج الذي تملأه الدولة كل فترة. لكن في حال نفدت المياه منه، أضطر إلى العيش أياماً عدة من دون مياه. هذه الأزمة تتكرر دائماً بسبب بعد منطقتنا عن ينابيع المياه أو محطات التزود بها.

تعدّ هذه المنطقة من بين عشرات المناطق الآهلة بالسكان في محافظة جندوبة (شمال غرب البلاد) التي تعاني بسبب افتقارها إلى المياه. كذلك، فإن أكثر من 170 شخصاً من سكان عمادة المراسن في معتمدية غار الدماء في ولاية جندوبة، يعانون من العطش خصوصاً في فصل الصيف، بسبب الانقطاع المستمر لمياه مجمّع التنمية الفلاحية، الذي يعدّ المزوّد الرئيسي والوحيد للمنطقة بالمياه الصالحة للشرب. تجدر الإشارة إلى أنّ المياه تنقطع عن المؤسسات العامة، على غرار المستوصف المحلي والمدرسة الابتدائية.

في ظلّ هذا الوضع الذي يؤثّر سلباً على حياة القاطنين في هذه المناطق، وجد الأهالي أنفسهم أمام حلّ وحيد مكرهين، وهو اللجوء إلى الشرب من مياه الينابيع الجبلية، علماً أنّها غير سليمة في ظل غياب الرقابة.

تجدر الإشارة إلى أنّ محافظة جندوبة تتمتع بثروة مائية كبيرة، في ظل وجود أربعة سدود تصل طاقة استيعابها إلى 252 مليون متر مكعب من المياه، بالإضافة إلى وجود 39 بحيرة جبلية، و140 بئراً عميقاً، و3853 بئراً سطحياً. وعلى الرغم من هذه الثروة المائية الهائلة التي حوّلت الجهة إلى خزان رئيسي للبلاد، إلا أنّ بعض سكانها، خصوصاً في القرى والأرياف، يفتقرون إلى المياه، فيما يعاني باقي السكان من رداءة نوعية مياه الشرب، تحديداً في مدينة جندوبة.


أيضاً، تعاني معتمدية الرديف في محافظة قفصة (جنوب) من شحّ في المياه. ويعدّ هذا الأمر هاجساً بالنسبة إلى مئات العائلات التي تتجدد معاناتها مع العطش في كل صيف. يُذكر أنّ نحو 30 ألف مواطن يعيشون فيها. وثمّة مشاكل تتعلق بمحطات المياه المتآكلة والآبار الارتوازية القديمة والمضخات المهترئة، أمور جعلت أهالي معتمدية الرديف يوجّهون نداء استغاثة قبل حلول الصيف، مطالبين بتنفيذ مشروع المياه الذي طال أمده واستبدال شبكات التزود بالمياه.
نظّم مواطنون أخيراً، احتجاجات في ظل انقطاع المياه، وقد اتسعت رقعة الاحتجاجات لتطاول مناطق عدة. وطالب هؤلاء الشركة التونسية لتوزيع المياه والمسؤولين على المستوى البلدي والجهوي، بإيجاد حلول سريعة للمشكلة، سائلين عن أسباب غياب التدخّل على الرغم من استغاثات المواطنين عاماً بعد عام.

من جهة أخرى، فإنّ العائلات التي تقطن في مناطق شبه نائية، تكاد تكون معزولة عن بعضها البعض، وهو ما يجعلها تعاني أكثر من غيرها بسبب الحرمان من مياه الشرب. ويقصد أفرادها العيون والينابيع والآبار ليعبئوا منها المياه في عبوات بلاستيكية غير صحية. يضطرون إلى السير مسافات طويلة لجلب المياه، علماً أنها تنقص في الصيف بسبب ارتفاع درجة الحرارة. ويؤكّد بشير عبيدي، أحد ساكني محافظة سليانة، أنّه يمشي عشرة كيلومترات كلّ أربعة أيام للحصول على المياه من أحد ينابيع المنطقة، ويملأ أكثر من 20 عبوة بلاستيكية ينقلها على ظهر الدواب. يضيف: "على الرغم من العيش في قرية يبلغ عدد سكانها 300 نسمة، إلا أنّها لم تزود بالمياه الصالحة للشرب".

في كل صيف، تتكرر معاناة أهالي مناطق الشمال الغربي بسبب الانقطاع المتكرر لمياه الشرب، على الرغم من ثراء هذه الجهة بالمياه، والتي تزوّد عدداً كبيراً من المدن والقرى بتلك الصالحة للشرب. ويضطر الأهالي إلى التوجه الى المحال التجارية لاقتناء المياه المعبأة. يُذكر أنّ كلفة نقل المياه عبر الصهاريج تراوح ما بين 5 و20 دولاراً أميركياً، علماً أنها تجلب من شبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، وتبلغ سعة كل صهريج خمسة أمتار مكعبة. وعادة ما تستخدم العائلات هذه المياه في البيوت أو للري أو للمواشي.

تجدر الإشارة إلى أنّ عدداً من المناطق الريفية التي تفتقر إلى المياه تسجّل عشرات الإصابات بالتهاب الكبد الفيروسي سنوياً، خصوصاً بين الأطفال والتلاميذ بسبب تلوّث مياه الآبار والصهاريج.
دلالات