مقاهي الجزائر... للتنفيس

24 أكتوبر 2017
أكثر من مقهى (أحمد كمال)
+ الخط -
المقهى هو ذلك المكان حيث يستطيع الواحد منّا ارتشاف فنجان قهوة "ثقيلة" مع سيجارة، أو حيث يمكنه لقاء الأصدقاء والأحبّة. في الجزائر، هو المكان الذي يعتمده الجزائريون بمعظمهم للالتقاء، وكثيراً ما نسمع الصديق يقول لصديقه "نتلاقاو في القهوى الفلانية"، في إشارة إلى مقهى الحيّ أو مقهى المنطقة أو مقهى المدينة.

ومقاهي الجزائر ليست فقط لتناول فناجين القهوة الساخنة بأنواعها المختلفة ولا الشاي الأخضر بالنعناع، فهي باتت اليوم "المتنفّس الوحيد" للشباب بحسب ما يقولون. بالنسبة إلى عمار (27 عاماً) فإنّ المقهى "مكان مقدّس بعد المسجد". ويرى أنّ "هذا الفضاء الذي يقتصر على الرجال من شباب وكهول وشيوخ حاز مكانة كبرى لدى عامة الناس. والشباب على سبيل المثال يرونه مكاناً للراحة، على الرغم من أنّه لا يوفّر مختلف أساليب وطرق التنفيس والراحة".

يخبر عمار أنّه لم ينجح في امتحانات الباكالوريا قبل تسعة أعوام، وصار يعمل في تجارة الألبسة الرياضية. وهو اليوم يتّخذ من المقهى مقراً له "للاتصال بالتجّار الصغار في مختلف الولايات الجزائرية بهدف الترويج للألبسة الرياضية الخاصة بالأطفال الصغار وكذلك سراويل الجينز الصينية. من هنا، أتفاوض مع تجّار الأرصفة الذين يعرضون هذه الألبسة في نقاط بيع مختلفة في الأحياء الشعبية، خصوصاً في باب الزوار ودرقانة وباش جراح وساحة الشهداء وباب الوادي وبلكور".

من جهة أخرى، تُنشَر الأخبار في المقاهي ويُصار إلى تناقلها، في حين تُناقَش حول طاولاتها الشؤون السياسية والاجتماعية والرياضية. ويشير رياض (31 عاماً) إلى أنّ "ثمّة مواضيع تنال حصّة الأسد هنا، من قبيل أوضاع المنتخب الوطني وتعثّره في الذهاب إلى كأس العالم لكرة القدم التي تُنظَّم في روسيا في عام 2018. كذلك فإنّ موضوعات أخرى مرتبطة بكرة القدم تهزّ الشباب الجزائري في المقاهي". ورياض مطّلع على كل كبيرة وصغيرة تخصّ منتخب محاربي الصحراء، فتجده يحلل وضع الفريق وغيره من الموضوعات المتعلقة بطاقم التدريب واللاعبين. وكثيراً ما تسمعه يقول متهكماً: "لم يبقَ لنا في البلد إلا كرة القدم. فهي التي تجمعنا هنا، سواء المنتخب الوطني أو الكرة الأوروبية".



وبعيداً عن التحليلات التي تبثّها قنوات التلفزة حول الأوضاع الاقتصادية في الجزائر، يتطرّق الشباب في المقاهي إلى موضوع التقشّف بإسهاب ويتبادلون الأفكار على الرغم من بساطتها. وتجد بعضهم يشير بحماسة إلى "سكوب" إمّا سمعه خلال مشاهدة التلفزيون أو قرأه في جريدة.

وفي المقاهي، يقتل كثيرون الوقت، فيمرّ من دون أن يشعروا. ويخبر بلال (28 عاماً) الذي بحث عن عمل طول الأعوام الخمسة الأخيرة من دون جدوى، أنّ "المقهى هو ملجأي الوحيد. هو المكان الذي أهرب إليه وفيه من مشاكل الأسرة التي لا تنتهي". هنا، يقضي بلال وقته إمّا في لعب الدومينو أو في تناول القهوة فنجاناً تلو آخر، أو يترصّد بطاقات اليانصيب أملاً بالفوز بمبلغ مالي كبير. في بعض الأحيان، تجده يتحدّث عن الهجرة غير الشرعية التي يراها "المنفذ الوحيد لمن لا أمل لهم في الجزائر".

إلى ذلك، لست في حاجة إلى أكثر من جولة على المقاهي للاكتشاف أنّها ما زالت متنفساً لكثيرين بعد يوم عمل طويل، فيقصدونها من أجل "جلسة خفيفة" بين الأصدقاء للترفيه عن أنفسهم بعد يوم متعب. يُذكر أنّ المقاهي هي المساحات الوحيدة في الجزائر الذي تتزايد سنوياً، نظراً إلى اهتمام الجزائري بهذه المساحة المليئة بكثير من القصص، بخلاف مساحات أخرى ما زالت خارج نطاق اهتمام بعضهم أو يجد آخرون صعوبة في الوصول إليها، من قبيل مراكز التسلية ومسارات المشي والرياضة والقاعات الرياضية وغيرها.

زيجات وحكايات
زيجات عدّة يُتّفَق عليها في مقاهي الجزائر، فعندما ينوي شاب خطبة شابة، لا بدّ من أن يتبع والدها أو أخاها إلى المقهى قبل أن يرسل أحد الجيران أو الأصدقاء لطلب يدها منه، أو يُفاتح هو والدها بالموضوع في المقهى قبل أن يتقدّم لها في البيت. ويشير أحد مرتادي المقاهي الدائمين إلى أنّ "حكايات كثيرة تسمعها في المقهى، فهنا يتزوّج البعض وهناك يشتري بعض آخر بيوتاً. الجميع يسمع حكايات الجميع".