أطفال روسيا العسكريون

30 مارس 2019
روسيا تستعيد ملامح سوفييتية (دين كونغر/Getty)
+ الخط -
شهدت روسيا في الأسابيع الماضية نقاشات مجتمعية محتدمة حول مبادرات السلطات الروسية لزيادة أعداد الأطفال والمراهقين المشاركين في برنامج "يون أرميا" (جيش الشباب) من 350 ألفاً حالياً إلى نحو مليون، بحلول الاحتفالات بالذكرى الـ75 للنصر على النازية في الحرب العالمية الثانية في مايو/أيار 2020.

تعرّف "يون أرميا" هدفها الرئيس في نبذة على موقعها الرسمي، بأنّه "التنمية الشاملة والتربية الوطنية للروس بدءاً من عمر الثامنة" على أن يجري الالتحاق بها بموافقة أولياء الأمور، كما تنظم جميع فعالياتها خارج أوقات الدراسة.




بالإضافة إلى ذلك، تتردد بين الحين والآخر دعوات لاستعادة مادة التربية العسكرية التي كانت تدرَّس في المدارس السوفييتية ثم الروسية، منذ عام 1968 حتى عام 1998، لكن من دون أن يتحقق ذلك بعد. وفي هذا الإطار، يشير رئيس "مجموعة الخبراء السياسيين" قسطنطين كالاتشوف، إلى أنّ هناك فارقاً بين التربية الوطنية والعسكرة، مرجحاً أن يتحول الأمر في نهاية المطاف إلى المحاكاة، مثلما كان الأمر عليه في نهاية حقبة الاتحاد السوفييتي. يتابع لـ"العربي الجديد": "أعتقد أنّ الأمر سيتحول إلى المحاكاة على غرار ما كان عليه الوضع في الفترة السوفييتية المتأخرة. يجب أن تكون التربية العسكرية طوعية وممتعة، وليست بالملل الذي هي عليه حتى الآن، كما أنّ العسكرة ليست مرادفاً للتربية الوطنية".

خلال العامين الماضيين، عاد الشباب الروس إلى المشهد السياسي بقوة في ظل مشاركتهم المتزايدة في التظاهرات المناهضة لاستشراء الفساد والقيود على الإنترنت، وإقبالهم على دعم المرشح المستبعد من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أليكسي نافالني، الذي يعتمد على موقع "يوتيوب" لتعبئة مؤيديه. وبالرغم من أنّ المشاركة في الفعاليات العسكرية قد تشغل حيزاً كبيراً من أوقات الفراغ لدى الشباب، فإنّ كالاتشوف يرجح أنّها لن تقلل من أمزجتهم الاحتجاجية، مضيفاً في هذا السياق: "يجب أولاً النظر إلى الفارق ما بين الأمزجة والأنشطة الاحتجاجية. لن يقلل جيش الشباب من الأمزجة الاحتجاجية كونها مرآة للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي ومشاكله المتزايدة. لكن، هناك أمل في الحدّ من النشاط الاحتجاجي في حال انشغال الشباب بأعمال أخرى، لكنّه أمل وهمي".

من جانب آخر، لا يخلو المجتمع الروسي من قطاع مؤيد لفكرة عودة التربية العسكرية إلى المدارس، ومؤيد لأنشطة "جيش الشباب". القيادي في حركة "اتحاد عموم روسيا لأولياء الأمور" غيرمان أفديوشين، أحد هؤلاء، يقول لـ"العربي الجديد": "يجب أن يشعر الفتيان بأنّهم حماة الوطن المستقبليون. يعلم الجميع أنّ روسيا في خطر، وتاريخنا يكاد يخلو من فترات بلا حروب. لذلك، أؤيد التربية العسكرية وجيش الشباب، شأني في ذلك شأن أغلب أولياء الأمور الأسوياء".

في معرض تعليقه على خطر عسكرة المجتمع، يضيف: "فك وتركيب الرشاش الآلي ليس لإطلاق النار منه، لكن ليفهموا أنّ تلك القطع الحديدية تحولت إلى اختراع عبقري تفتخر به البلاد. نعيش في وقت عصيب، وعلينا وعلى أبنائنا أن نكون مستعدين لصدّ أيّ هجوم للعدو".

لمّا كان تنظيم وحدات "جيش الشباب" لا يقتصر على المدارس، بل يشمل أيضاً دور الأيتام، أثيرت تساؤلات في روسيا حول خطورة عسكرة طفولة هؤلاء في ظل غياب أولياء أمور يدافعون عن حقوقهم. لكنّ القائمين على المشروع يرجعون ضرورة ذلك، إلى وجود أكثر من 1600 دار أيتام ومدرسة داخلية في روسيا تحتضن 50 ألف طفل، 10 في المائة منهم فقط يندمجون في المجتمع بعد بلوغهم، بينما ينتهي الحال بـ90 في المائة بالانتحار (10 في المائة) أو الضلوع في الجريمة (40 في المائة) أو إدمان الكحول والمخدرات (40 في المائة).




مع ذلك، شككت صحيفة "نوفايا غازيتا" الليبرالية المعارضة مؤخراً، في أنّ المشروع يهدف حقاً إلى خدمة مصلحة الأيتام، متسائلة عما إذا كان يجري تجنيدهم لـ"الحرب داخل البلاد" في إطار توجه الدولة نحو مواجهة التظاهرات والإنترنت وحتى بيوت الشباب للحدّ من تنقلاتهم.
أما الفئة الأخرى التي يعتزم "جيش الشباب" الاعتماد عليها لزيادة الأعداد، فهي أبناء الضباط بالجيش الروسي. وكانت صحيفة "كوميرسانت" قد ذكرت أنّ قيادة الدائرة العسكرية الشرقية طلبت تعبئة "100 في المائة" من أبناء الضباط بين الـ8 والـ18 من العمر، وأنّه سيجري النظر إلى تخاذلهم عن ذلك على أنّه "عدم فهم العسكريين لسياسة الدولة في مجال التربية الوطنية للمواطنين". لكنّ الإدارة المركزية لوزارة الدفاع الروسية سارعت إلى نفي وجود أيّ نظام إجباري، واصفة الطلب الذي سبق تعميمه، بأنّه "تجاوزات محلية".
دلالات
المساهمون