مشردو المونديال الأفارقة يودعون روسيا

10 اغسطس 2018
لم يبقَ معهم المال (العربي الجديد)
+ الخط -
استغل مشجعون أفارقة مونديال 2018 في روسيا للوصول إليها والانتقال إلى دول أوروبية، لكنّهم أفلسوا وعلقوا

يقول النيجيري كريس (35 عاماً) الذي قابلته "العربي الجديد" قبيل مغادرته موسكو على متن ثاني طائرة استأجرتها بلاده لإجلاء مئات من مواطنيها العالقين في روسيا بلا موارد مالية أو مأوى، إذ لم تتحقق أمنيتهم باستخدام بطاقات مشجعي المونديال للهروب من تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية في بلادهم، إن مكتب السفر في نيجيريا أوهمه بأنه سيجد عملاً ما إن يصل إلى روسيا. يتابع: "لكنني اكتشفت أنّ الأمر ليس كذلك على الإطلاق، بل واجهت غلاء الإقامة والمعيشة، ومن المستحيل أن تجد عملاً هنا طالما لا تتحدث اللغة الروسية ولا تحمل تأشيرة عمل". وحول دوافعه للهجرة، يضيف: "لا أجد في بلادي فرصاً للعمل أو لتكوين أسرة، خصوصاً مع سوء وضعي المادي، كما أنّ الوضع العام في نيجيريا غير آمن. أما هنا في روسيا، فالحياة منظمة والدولة تسيطر على الأوضاع، لكنّ أصحاب البشرة السوداء هنا قليلون جداً ويعاملون معاملة سيئة".




كريس واحد من مئات الشباب النيجيريين الذين أنفقوا كلّ مدخراتهم لشراء تذكرة السفر إلى موسكو التي تزيد قيمتها عن ألف دولار أميركي، أملاً في استغلال ثغرة إعفاء المشجعين الأجانب من تأشيرات الدخول، للهجرة إلى روسيا أو العبور إلى دولة أوروبية أخرى، قبل أن يصطدموا بواقع مرير اختلف كثيراً عن الصور النمطية الراسخة في عقولهم.

أولوي، نيجيري في مطلع الأربعينيات، يعترف هو الآخر أنّه لم يحضر إلى روسيا لمشاهدة مباريات كأس العالم، بل بحثاً عن الرزق، قبل أن يتذوق مرارة الهجرة غير الشرعية وينتظر استكمال إجراءات إعادته إلى بلده. يقول أولوي لـ"العربي الجديد": "أنفقت كلّ مدخراتي لشراء تذكرة السفر واستخراج بطاقة المشجع، لكنّي فوجئت بأنّها لا تؤهلني للعمل في روسيا. واجهنا مشكلة غلاء الإقامة، إذ يصل سعر استئجار شقة إلى نحو 50 دولاراً في الليلة الواحدة، أو نحو 15 دولاراً لليلة في بيوت الشباب بغرف كبيرة تضم عدداً من الأسرّة المكونة من طابقين".

بعد استنفاد كلّ موارده المالية خلال أسابيع معدودة على وصوله، اضطرت والدة أولوي لاستدانة 100 دولار لترسلها إليه، كما سيضطر بعد عودته إلى مدينته لاغوس للبحث عن العمل وبدء حياته من الصفر. مع ذلك، لا ينوي الاستسلام للواقع المرير في بلاده والبقاء فيها، بل يقول بنبرة من الثقة: "تعلمت كثيراً من هذه التجربة، وفي المرة المقبلة ستكون وجهتي هي أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة، حيث يوجد تسامح أكبر مع السود والعمل غير الرسمي، وعلى عكس روسيا، يمكنك التقدم بطلب للجوء هناك".



بعد تفاقم أزمة المشجعين الأفارقة في روسيا وتشردهم نظراً لاستنزاف أموالهم، جعلت حركة "ألتيرناتيفا" المعنية بقضايا الهجرة من مسألة إيوائهم، وإعادتهم إلى وطنهم آمنين، همها الأساسي، وفق ما توضحه منسقتها يوليا سيلويانوفا. تقول لـ"العربي الجديد": "حتى الآن، رصدنا نحو 400 مهاجر نيجيري، جرى ترحيلهم على متن رحلتين للخطوط الجوية الإثيوبية نظمتهما وزارتا الخارجية والطيران المدني النيجيريتان. وصل هؤلاء إلى روسيا وبحوزتهم ما بين 200 - 300 دولار فقط أنفقوها على الإقامة في بيوت الشباب، ثم بدأوا ينامون في محطات السكك الحديدية والحدائق العامة وفي الشارع أمام السفارة النيجيرية، فوفرنا لهم مأوى وحافلات لنقلهم إلى مطار دوموديدوفو في ضواحي موسكو".

وبحسب بيانات وزارة الخارجية النيجيرية، فإن عملية إجلاء "المشجعين" العالقين في روسيا كلفت حكومة بلادهم مليون دولار لتنظيم رحلتين عارضتين، كما تم إجلاء 17 مواطناً غانياً على متن الرحلة الثانية.

في غياب إحصاءات دقيقة، تشير سيلويانوفا إلى أنّ هناك حتى الآن نحو 200 مشجع نيجيري آخرين عالقون في روسيا ويأملون في إيجاد عمل أو الهروب إلى الاتحاد الأوروبي، فلا يكشفون عن أنفسهم، كما رصد نحو 40 مهاجراً سنغالياً في العاصمة البيلاروسية مينسك. مع ذلك، تتوقع سيلويانوفا أن يسلّم هؤلاء أنفسهم بحلول فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة إلى مستويات لم يعهدوها في بلدهم.

أما عن المشكلات القانونية التي تحول دون بقاء وعمل "المشجعين" في روسيا، فتضيف: "صحيح أنّ بعضهم وجد عملاً غير رسمي بمحطات غسل السيارات على أطراف موسكو، لكنّ أرباب العمل يتجنبون التعامل معهم بشكل عام، لأنّ توظيف الأفراد بموجب بطاقات المشجع يعرضهم لغرامات كبيرة، كما أنّ إعفاء حاملي بطاقات المشجع من التأشيرات لدخول روسيا حتى نهاية العام، لا يعني أنّ في إمكانهم البقاء في البلاد طوال هذه المدة من دون العودة إلى بلدهم، شأنها في ذلك شأن تأشيرة شنغن في الاتحاد الأوروبي".




كانت السلطات الروسية قد قررت إعفاء المشجعين الأجانب من التأشيرات خلال فترة المونديال، مما أتاح الفرصة لآلاف الشباب من الدول الفقيرة للسفر إلى روسيا من دون إثبات مصدر الدخل أو حمل وثائق التأمين المطلوبة، كما هو معمول به في أغلب الدول الغربية. وفي ختام البطولة، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن تمديد السماح بدخول روسيا بموجب بطاقة المشجع من دون تأشيرة حتى نهاية العام.

وبحسب بيانات وكالة السياحة الروسية "روس توريزم" فإنّ نحو 3.4 ملايين سائح ومشجع أجنبي زاروا روسيا خلال المونديال الذي نظم خلال الفترة من 14 يونيو/ حزيران حتى 15 يوليو/ تموز الماضيين.