السنة الأمازيغية... أيام "الحشيش والعيش والريش" في الجزائر

12 يناير 2019
تسوّق لشراء "القشقشة" (العربي الجديد)
+ الخط -

الاحتفال بالسنة الأمازيغية في الجزائر ليس عادياً، خصوصاً أن معظم العائلات تشارك فيه في جوّ ملؤه الفرح والحبّ. ويشعر الناس بالتفاؤل ويأملون أن تكون السنة... سنة خير 


يحتفل الجزائريّون كلّ عام بثلاث بدايات لسنوات مختلفة: السنة الميلادية في الأول من يناير/ كانون الثاني، والسنة الهجرية في الأول من محرم، والسنة الأمازيغية في 12 يناير. والمناسبة الأخيرة أقرتها الحكومة عيداً رسمياً منذ يناير عام 2018.

هذا العام، تتّخذ احتفالات السنة الأمازيغية شكلاً جديداً، إذ تعمد الهيئات والمؤسسات التربوية ودور الشباب إلى تنظيم احتفالات رسمية، علماً أن إحياء هذا التقليد السنوي كان مجرّد مناسبة شعبية ترتبط ببداية التقويم الأمازيغي في الثاني عشر من شهر يناير/ كانون الثاني.

الاحتفال بالسنة الأمازيغية عرف من أعراف الجزائريّين. ولا يقتصر الاحتفال على الأمازيغ. الفرح والحب يملأ البيوت، ويتطلّع الناس لعام جديد ملؤه الوفرة والخير والنعيم. لذلك، يطلق عليها كبار السن سنة الخير والبركة. وتعكف النساء خلال أيام الاحتفالات الثلاث على طهي عشاء متنوع، احتفاء بالسنة الأمازيغية الجديدة، وإن كانت العديد من الأسر تعتقد أن الاحتفال مجرّد عادة متوارثة، صارت تقليداً في العرف الجزائري يبعث على الفرح والطمأنينة. وتحتفل العائلات على مدى ثلاثة أيام بدءاً من 12 يناير/ كانون الثاني.



وتسمى هذه الأيام الثلاثة بـ"يوم الحشيش"، و"يوم العيش"، و"يوم الريش". ويوم الحشيش لدى الأماريغ في الجزائر هو "ثابورث أوسقاس" أو "أمنزو يناير" أو "باب السنة". خلاله، تطهى مأكولات من مختلف أنواع الخضار، تبركاً بوفرتها. وفي يوم "العيش"، تطهى مأكولات من العجين والحبوب فقط، أهمّها طبق "أوفتيان"، وهو حساء من الحمص والقمح والفول، ويرمز في الثقافة الأمازيغية إلى الخصوبة ووفرة المحاصيل. أما اليوم الثالث، فيطلق عليه "يوم الريش"، وهو اليوم الذي يذبح فيه الديك الرومي وتطهى أكلات شعبية. وتسمّى عادة ذبح الديك الرومي بـ"أسْفال"، ويستخدم لطهي طبق الكسكسي، الذي يتبادله الجيران في عادة ما زالت تكرسها العائلات حفاظاً على حسن الجيرة. كما تحضّر العائلات أطباقاً أخرى من العجائن في صبيحة اليوم الثاني عشر من يناير/ كانون الثاني، مثل الفطائر بالعسل، تفاؤلاً بالعام الجديد وأملاً بالفرح. ويتذوقها الجيران جميعاً، وتوزّع على العائلات المعوزة.

تتّخذ احتفالات السنة الأمازيغية شكلاً جديداً (العربي الجديد) 


وتحرص العائلات الجزائريّة في رأس السنة الأمازيغية على ما يعرف بـ"القشقشة". وتخرج للتسوّق لشراء مختلف أنواع الحلويات الجافة واللوز والجوز والتمور وغيرها، ويوضع أصغر أفراد العائلة في إناء كبير ثم ترش عليه الحلويات قبل تقسيمها على الجميع، في إشارة إلى نشر الخير بين الناس والتطلّع إلى سنة خير.

إلى ذلك، تختلف الاحتفالات من منطقة إلى أخرى في الجزائر. في كل من الأوراس ومنقطة القبائل ومنطقة بني سنوس، غرب الجزائر، ومنطقة بني ميزاب والطوارق في الجنوب، تتعدد الكلمات والتسميات والأطباق، لكنّها تتفق في الهدف الإنساني الأسمى من الاحتفال الذي تسعى من خلاله العائلات الجزائرية إلى ترسيخ عادات تقوّي أواصر المحبة بين الأفراد، والتفاؤل بعام ملؤه الخير. وتختلف التسمية من منطقة إلى أخرى. هناك من يسمّيه عيد "الناير"، فيما يطلق عليه في منطقة القبائل الكبرى، وسط الجزائر، "أسقاس الناير". وفي منطقة شرشال، غرب العاصمة الجزائرية، يقول السكان إنه "أسقاس الناير ذي الهناء"، أي عام الهناء، إضافة إلى تسميات أخرى تشير إلى أنه عام الخير والمحاصيل والأمطار.

عسى أن تكون سنة خير (العربي الجديد) 


ويعتقد المؤرّخون أنّ السنة الأمازيغية تعتمد أساساً على التغيرات الفصلية والمراحل المتنوعة للزراعة ونمو النباتات المحددة للمواسم والفلاحة المنتظمة، بحسب مواقع الكواكب كالقمر والشمس. وبدأ رسمياً العد للسنة الأمازيغية منذ عام 950 قبل الميلاد، بحسب المؤرخين. أمّا الحدث المهم الذي ترسخ في الثقافة الأمازيغية، فهو أن بداية السنة الأمازيغية تزامنت مع يوم النصر الذي انتصر فيه الملك البربري أو الأمازيغي "شاشناق" على الملك رمسيس الثالث في عام 950 قبل الميلاد، في معركة في منطقة بني سنوس قرب ولاية تلمسان، (510 كيلومترات غرب العاصمة الجزائرية).



في المقابل، تقول الباحثة في علم الاجتماع كلثوم بلواهن، لـ"العربي الجديد": "يعتقد أن السنة الأمازيغية تزامنت مع نفاد المؤن، لتبدأ النساء في توفير ما تيسر للشتاء، أو كما يسمى في الثقافة الشعبية الجزائرية بالعولة". تضيف أن 12 يناير/ كانون الثاني هو تجديد الروح لاستقبال عام الخير ووفرة المحاصيل الزراعية، من خلال ممارسة بعض الطقوس، كذبح الدجاج وطهي الطعام للفقراء والمساكين.