أسئلة ووجوه في المقهى

03 يناير 2016
ماذا سأكون عندما أتقدّم في السن؟ (Getty)
+ الخط -
ألتقي بصديق في المقهى. يزعج هدوئي السؤال المكرّر: "كيفك؟ شو الأخبار؟". الأكثر إزعاجاً هو الجواب: "تمام. بخير". غالباً ما نقع بين هذه الكلمات: "تمام. بخير. رواق". سيكون هذا الجواب مهما كانت حالتنا.

نستيقظ في الصباح. نقف على الشرفة. ننزعج من ضوء الشمس من ثم نبتسم لها. ندخل إلى الحمام. نفكّر. الحمام مملكة التفكير. نخرج مبتسمين. نلبس ثيابنا مبتسمين. نركب السيارة مبتسمين. نصل إلى المكتب مبتسمين. ندخل الاجتماع مبتسمين. نغادر العمل مبتسمين. نعود إلى المنزل مبتسمين. نستحم مبتسمين. نستلقي على الفراش مبتسمين. نفكر ونبكي. هذا روتين حياتنا "السعيدة".

هذه هي الحياة التي نتطلّع فيها نحو الأفضل. نهرب منها إلى مواقع التواصل لنصب كل "علمنا" في هذا العالم الإلكتروني. ندخل إليه ونبعثر جميع القضايا. أما الموضوع الذي لا يحمل قضية، ففي ثوانٍ نؤسس له صفحة ونطلق قضية!

يراودني السؤال دائماً: ماذا سأكون عندما أتقدّم في السن؟ هل سأظلّ صحافياً يعاني من القلق؟ عجوزاً يعاني من الوحدة؟ مزارعاً يعاني من الحب؟ ممثلاً يعاني من الثقة؟ كوميدياً يعاني من حزن مزمن؟ المستقبل ما هو إلا موسيقى الوداع لسؤال يبحث عن جواب. يقلق راحتنا. ابتسامتنا. نهارنا. ليلنا. يقظتنا. حلمنا. نومنا.

نهرب إلى الموسيقى. نستعيد ما يدغدغ شعورنا. نضحك على كلمات تذكرنا بحادثة أو موقف. وقد نهرب إلى الأكل أحياناً. وعندما نشبع، نعود لنحزن على تخمة أصابتنا.

يسأل صديقي عباس: "أين النيزك؟". أما صديقي حسن فيكرّر عبارته الدائمة ممازحاً: "انتحر. لا شيء يستحق كل هذا العناء".

أهرب إلى موضوع الزراعة. لا أتقاسم هذا الموضوع إلا مع صديق واحد، فأغلب الأصدقاء يستغرب الفكرة. هو الوحيد من الذين أعرفهم الذي يشاركني حب الأرض. ينطلق صديقي إلى جميع المواضيع من زاوية الزراعة. يعالجها وكأنه يحرث الأرض أو كأنه يحصد المحصول أو كأنه يهتم ببستان أو كأنه يداعب بتلات وردة. الطبيعة مساحته للفرح.

لكل صديق اهتماماته والأشخاص الذين يوليهم عنايته. هذا يدلّل أولاده، يخبّرني عن العائلة. أنا أحب العائلة، لكني لست جاهزاً لتأسيس واحدة بعد. وذاك صديق كنت شاهداً على تعبه مراراً لا تغيب الابتسامة عن وجهه كلما نظر إلى طفله. صديق ثالث لا يتكلم. يغضب فقط من قصصٍ تافهة. ورابعٌ يلاحق الحب بكل تفاصيله. يطبخ له ولها. يهتم بنفسه وبها. هو ملتزم بقواعد الحياة السعيدة دون أن يشاركنا حزنه مرة. هو بطل. يقوى على ضعفه ويعطينا طاقة بقوته.

اقرأ أيضاً: فلتشتعل نار الحب
المساهمون