معاناة مهاجري جنوب الصحراء في تونس

04 مارس 2019
في مدنين (فتحي نصري/فرانس برس)
+ الخط -

"جئت من الكاميرون عبر مسالك غير رسمية، حتى وصلت إلى الجزائر ثم ليبيا، وأعيش منذ نحو ثلاثة أشهر في مركز لإيواء المهاجرين الأفارقة في مدنين، جنوبي تونس. وسكان المركز من الصومال والسنغال وساحل العاج والكاميرون، من مختلف الفئات من نساء ورجال وأطفال وشبان. لكن، بالرغم من استقبالنا جيداً من السلطات التونسية فظروف إقامتنا صعبة جداً، بسبب تزايد الأعداد التي تتجاوز طاقة استيعاب المركز، وبسبب نقص الرعاية الصحية وغياب النظافة. كذلك، تنتشر أمراض عدة من بينها السل" هكذا يدلي المهاجر الكاميروني موسى بشهادته لـ"العربي الجديد".

لا تقتصر معاناة هذا الشاب على ظروف الإيواء الصعبة بل تمتد إلى الاستغلال، كحال العديد من مهاجري جنوب الصحراء، ممن يضطرون للعمل عدة ساعات بأجرة زهيدة. مع ذلك، يكشف موسى عن استعداده للقبول بأيّ عمل من أجل مساعدة أسرته، خصوصاً والدته المريضة، إذ يعمل ساعات طويلة مقابل مبلغ لا يتجاوز 5 دولارات أميركية.




يتابع موسى، أنّ البعض يرفض منحه أتعابه حتى، فقد أوصله أحدهم إلى المخيم واعداً إياه بالعودة من أجل تسليمه أتعابه، لكنّه لم يعد مجدداً، ونقله آخر إلى مكان بعيد للعمل ما اضطره للمشي عدة ساعات في طريق العودة إلى مركز الإيواء كونه لم يحصل على أتعابه.

بالرغم من كلّ الصعوبات، يأمل موسى في الحصول على أوراق الإقامة في تونس، لتحسين ظروف عائلته وعلاج والدته. ويكشف أنّه تعرض للخطف وسوء المعاملة في ليبيا تحديداً في زوارة، إذ بقي رفقة مجموعة من مهاجري جنوب الصحراء ثلاثة أشهر في ظروف كارثية حرموا خلالها من الطعام والماء، كما تعرضت بعض الفتيات المختطفات معهم إلى الاغتصاب، مبيناً أنّ الخاطفين كانوا يطلبون فدية من أهاليهم، ومن لا يدفع يُقتل، وقد شاهد عدة مهاجرين ومن بينهم أصدقاء له من الكاميرون يُقتلون أمامه، لعجز ذويهم عن دفع المال: "كنت محظوظاً لأنّ والدتي، بالرغم من الفقر والظروف الصعبة، جمعت المبلغ الذي طلبه الخاطفون، وكادت أن تدخل السجن لتوفير المال بهدف إنقاذي".

معاناة موسى لا تختلف عن معاناة آلاف المهاجرين من دول جنوب الصحراء، ممن يهاجرون بطرق سرية أملاً في تحسين ظروفهم، لكنّهم يصطدمون بواقع مرير، وبظروف صعبة تحوّل حياة كثيرين من بينهم إلى جحيم، وتجعلهم عرضة للعديد من الانتهاكات.

يؤكد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، والناشط الحقوقي الذي سبق له أن زار مخيمات المهاجرين، مصطفى عبد الكبير، لـ"العربي الجديد" أنّ الجوانب الإنسانية في مراكز الإيواء بالجنوب التونسي صعبة جداً، بسبب تزايد أعدادهم، وتضييق الخناق على الهجرة إلى أوروبا، ما دفع المهاجرين الأفارقة ممن ضاقت بهم السبل في ليبيا، إلى البحث عن منافذ برية أخرى.

يلفت إلى أنّ الأرقام الأخيرة ارتفعت بوضوح، مع تدفق مزيد من مهاجري جنوب الصحراء على تونس، إذ بلغ مجموع الأشهر الثلاثة الأخيرة من المهاجرين الجدد في مركز مدنين 866 مهاجراً. يشير إلى أنّ أغلبهم جاء عبر الحدود البرية والرحلات البحرية السرية الفاشلة في البحر الأبيض المتوسط، تحديداً من موانئ جرجيس وبن قردان وصفاقس، إذ استقبلهم الهلال الأحمر التونسي، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة، وجرى التثبت من أوضاعهم القانونية، وتصنيفهم، ثم إيواؤهم في مركز مدنين.

يشير عبد الكبير إلى أنّ المراكز مهيأة للإقامة لفترات قصيرة، أي ما لا يتجاوز ثلاثة أشهر، لكنّ البعض وجد نفسه عالقاً فيها منذ أربع سنوات، وهناك من اندمج في سوق العمل من سكانها، بينما معظمهم لم تجرِ تسوية وضعه القانوني، وتتولى المنظمة الدولية للهجرة ترحيله.




من جهته، يؤكد المسؤول عن الإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر لـ"العربي الجديد" أنّ الوضع الإنساني في مراكز الإيواء صعب، والمنتدى يتابع بانشغال شديد وضع المهاجرين في تونس، مضيفاً أنّ الخدمات التي تقدمها مختلف المنظمات الإنسانية في الجنوب ما زالت دون المأمول، فهي عاجزة عن ضمان أبسط الحقوق الأساسية، تلك المتعلقة بالغذاء والدواء والصحة وظروف الإقامة. يتابع أنّ أعداد المهاجرين تتجاوز في حالات كثيرة طاقة الاستيعاب، وهو ما يجعل توفير الخدمات الأساسية، أمراً صعباً في ظل تخلي المنظمات الدولية عن دورها، ما يحمّل الهلال الأحمر التونسي القسط الأكبر من المسؤولية، بالرغم من محدودية إمكانياته.
دلالات
المساهمون