في الدقائق الأولى من اليوم الإثنين، أطلت أسرة الناشط السياسي البارز علاء عبد الفتاح، في مقطع فيديو تم نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أمام أسوار سجن طرة، يحملون بالونات حمراء ممتلئة بغاز الهيليوم، علها تنتقل إلى علاء على الجانب الآخر من السور.
وخلال مقطع الفيديو الذي بثته أسرة علاء، ظهرت شقيقته منى سيف بصحبة والدتها الدكتورة ليلى سويف، وشقيقتها الناشطة السياسية سناء سيف. قالت منى: "الحرية لعلاء عبد الفتاح وكل المعتقلين" وتحدثت عن تفاصيل قضية علاء عبد الفتاح الأخيرة، ورفاقه فيها، كما تحدثت عن ظروف الاحتجاز غير الآدمية في سجن طرة 2 الملقب بـ"العقرب 2" الذي يقضي فيه علاء عقوبته.
Facebook Post |
كانت قوات الأمن المصرية قد ألقت القبض على علاء عبد الفتاح يوم 29 سبتمبر/أيلول 2019، خلال أحدث حملة قمع تشنُّها السلطات، من قسم شرطة الدقي بعد خروجه من القسم حيث يقضي المراقبة الشرطية يوميًا من السادسة مساءً للسادسة صباحاً، ثم نُقل إلى "سجن طرة شديد الحراسة 2"، وهو سجن سيئ السمعة في مصر ويُعرف أيضاً باسم "سجن العقرب 2"، وهناك تعرَّض علاء عبد الفتاح لعصب عينيه وتجريده من ملابسه، على أيدي ضباط السجن الذين انهالوا عليه ضرباً وركلاً عدة مرات، كما وجهوا له تهديدات وشتائم.
وقال له أحد ضباط الشرطة إن "السجن صُنع لأمثالك"، وأضاف أنه سيبقى في السجن بقية عمره، كما هدده أحد ضباط قطاع الأمن الوطني بأنه سيتعرض لمزيد من التعذيب إذا ما أبلغ عن الإيذاء الذي لاقاه.
كما قُبض على محمد الباقر، محامي علاء عبد الفتاح، وهو من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان ومدير "مركز عدالة للحقوق والحريات"، يوم 29 سبتمبر/أيلول 2019، وتعرض لمعاملة سيئة في السجن نفسه.
أسرة علاء عبد الفتاح، أسرة يسارية حقوقية بامتياز، فشقيقته منى هي مؤسسة حركة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين"، ووالدته ليلى سويف هي أستاذة الرياضيات وعضو حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات منذ أن كانت تدرس في الجامعة عندما خرجت في مظاهرة لأول مرة عام 1972 من جامعة القاهرة.
وشقيقته الصغرى سناء، هي ناشطة سياسية أيضا سبق اعتقالها وأفرج عنها بموجب عفو رئاسي، وجميعهم يسيرون على خطى والدهم المحامي الحقوقي البارز، أحمد سيف الإسلام الملقب بـ"محامي الفقراء"، الذي كان أول اعتقال له سنة 1972 إثر مظاهرات الطلبة من أجل تحرير سيناء، ثم اعتقل سنة 1973 وقضى في السجن ثمانية أشهر، على خلفية مشاركته في الاحتجاجات على خطاب الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، وتأخره في اتخاذ قرار بالحرب مع إسرائيل، وأفرج عنه مع زملائه قبل حرب أكتوبر بأيام. واعتقل أيضًا ليومين سنة 2011.
أما أطول فترات اعتقال لسيف الإسلام، فكانت عام 1983، حيث قضى خمس سنوات في سجن القلعةـ الذي وصفه بـ"أبشع بكثير من سجن طرة في التعذيب". ألقي القبض عليه حينها بتهمة الانتماء إلى تنظيم يساري، وقد تعرض أثناء هذه الفترة للضرب والتعذيب بالكهرباء والعصي وكسرت قدمه وذراعه، وتقدم وقتها ببلاغ للتحقيق في تلك الواقعة ولكن لم يحقق أحد فيه، وقد ولدت ابنته منى أثناء وجوده في السجن.
وورثت العائلة اليسارية عنه الدفاع عن الحقوق والنضال من أجل الحرية والسجن.
وعلاء كان متزوجًا من منال بهي الدين، ابنة الحقوقي البارز بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، منظمة مجتمع مدني مصرية، تعمل من باريس بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة في مصر، وله ابن واحد اسمه خالد، تيمنًا بضحية التعذيب خالد سعيد، أحد أهم أسباب اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
كان علاء رمزا لقضية المحاكمات العسكرية للمدنيين عام 2011، التي خرج منها ليمثل أمام المحكمة مرة أخرى في قضية التظاهر أمام مجلس الشورى في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، التي تعد أول وقفة احتجاجية خرجت لرفض وإلغاء قانون التظاهر، وتم تطبيق القانون عليها.
ثم سجن بعدها في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"أحداث مجلس الشورى"، حيث قضت محكمة جنايات القاهرة، في فبراير/شباط 2015، بالسجن المشدد عليه لمدة 5 سنوات، و5 سنوات مراقبة وغرامة 100 ألف جنيه، قضاها كاملة، وأفرج عنه في 29 مارس/آذار الماضي، واستمر في تنفيذ المراقبة الشرطية بتسليم نفسه للسلطات من السادسة مساءً حتى السادسة صباحًا يوميًا لمدة خمس سنوات، حتى اعتقلته قوات الأمن المصرية من قسم الدقي حيث كان يقضي المراقبة الشرطية، وفوجئت أسرته ومحاموه باختطافه من القسم ومثوله في اليوم التالي أمام النيابة على ذمة القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا.
كما ألقت قوات الأمن المصرية القبض على محاميه الحقوقي محمد الباقر مدير مركز عدالة للحقوق والحريات، الذي فوجئ بصدور أمر ضبط وإحضار له على ذمة القضية نفسها، وألقي القبض عليه من داخل مبنى نيابة أمن الدولة أثناء حضوره مع علاء عبد الفتاح.
ووجهت نيابة أمن الدولة لكليهما اتهامات بنشر أخبار كاذبة، والانضمام لجماعة إرهابية إيثارية أسست على خلاف القانون- رفضت السلطات تحديد اسمها وهويتها- وتمويل جماعة إرهابية، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأمرت بحبسهما 15 يومًا على ذمة القضية، في سجن طرة (2) شديد الحراسة، وهو سجن ظروفه سيئة وممنوعة عنه الزيارة.
كما سُجن علاء عام 2006 في فترة حكم الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، على خلفية تضامنه مع اعتصام قضاة "تيار الاستقلال في مصر".
"التنين البمبي"، كما أطلقت عليه الخبيرة في لغة الجسد، شادية متولي، لكونه "شديد التواضع والإحساس بالغير، مبرمجا ومدونا، من مواليد عام 1981، يقضي عيد ميلاده للمرة السادسة خلف أسوار السجن، وتتواصل معه أسرته في الزيارات القانونية من وراء حاجز من طبقي زجاج عازل، ويتحدثون من خلال سماعات هاتف. يقبع خلف أسوار السجن دون أن يرى الشمس أو يسمح له بالخروج من الزنزانة.
وكما كان علاء رمزا للمحاكمات العسكرية للمدنيين، أصبح رمزا لعصف النظام القمعي بالمعارضين في مصر.