"حلقة سمك" الإسكندرية.. منارة آيلة للسقوط

27 مايو 2014
من معلَمٍ تاريخي إلى خرابة (العربي الجديد)
+ الخط -

على الرغم من الشروخ الواضحة في مبنى حلقة السمك في الإسكندرية، والتي تظهر ما أصابه جراء مرور الزمن، إلا أنه يظل أشهر وأقدم سوق للأسماك في المحافظة الساحلية، والبورصة الرئيسة لتحديد أسعار الأحياء البحرية بمختلف أنواعها، ومعلمًا أثريًا من معالمها البارزة.

في قلب الإسكندرية يقف مبنى حلقة السمك بمنطقة الأنفوشي، شاهدًا على تاريخ المدينة العريق، وتحديدا المبنى التاريخي الذي شُيد العام 1834 بين موقعين أثريين، قلعة قايتباي وقصر رأس التين.

حالة الإهمال الواضحة على المبنى، واختفاء معالمه الأثرية، وطمس زخارفه بفعل عوامل التعرية، لم تؤثر على شهرته وطابعه الذي يميزه عن بقية مباني المنطقة.

وبمجرد طلوع الشمس يزداد توافد التجار والمواطنين إلى المكان الذي يشهد حركة دؤوبة من عاشقي الأسماك والقادمين إليه من كل حدب وصوب، لاختيار ما يريدونه من مختلف أنواع المأكولات البحرية الطازجة.

تسمية حلقة السمك ليس له علاقة بشكل المبنى الهندسي المستطيل، وإنما جاء من وحي تجمع التجار والباعة الذي يأخذ شكل الحلقة حول طاولات الأسماك التي تضم حصيلة ما قام الصيادون بجمعه من مختلف الأنواع البحرية الطازجة من السواحل أو الأقاليم على مستوى الجمهورية، قبل بيعها بطريقة المزاد، كما يقول حميدو عبد الستار، أحد أقدم تجار حلقة السمك، لـ"العربي الجديد".

وأضاف حميدو أن التجار والمواطنين يعتمدون على الأسماك الواردة من مختلف محافظات الجمهورية الساحلية، والتي تباع طازجة بالجملة في الحلقة، مؤكدًا أن نظامًا خاصًا يحكم طبيعة العمل داخل الحلقة، إذ يتم تقسيمها إلى 17 جزءًا ويتم تأجير كل جزء منها بشكل شهري إلى أحد التجار، ليقيم مزادًا على أسماكه في المساحة المخصصة له.

وأشار إلى أن "الزبون" الرئيس في الحلقة هو بائع التجزئة، الذي يحصل على الأسماك التي يريدها بطريقة المزايدة قبل أن ينقلها إلى متجره الخاص ويبيعها للمستهلك.

ويؤكد مرسي محمد محاسب لدى أحد المستأجرين داخل حلقة السمك، أن التجار يقسمون أيام الأسبوع بالتناوب بينهم، فيقوم عدد منهم بـ"ركوب البحر" لصيد الأسماك بالقوارب، ويقوم الآخرون باستلام "الرزق" وبيعه في الحلقة، من خلال المساحة المستأجرة له، نافيا حدوث مشاكل بين التجار لوجود لوائح وأعراف متوارثة يلتزم الجميع بتطبيقها.

واعتبرت سمية شاكر -ربة منزل (39 سنة)- وإحدى مرتادات حلقة السمك، إن الحلقة أفضل مكان لبيع الأسماك في الإسكندرية، حيث تمتاز ببيع المأكولات البحرية جيدة المستوى والطازجة، مضيفة "أثق فيما ابتاعه من الحلقة، فأنا لم يسبق لي أن اشتريت أي أسماك ووجدت بينها ما هو غير طازج" مؤكدة أن وجبات الأسماك تمثل أهم الأكلات على المائدة السكندرية، والارتفاع الملحوظ في الأسعار أثر بشكل كبير على الإقبال عليها.

ويتفق معها سعد سالم، قائلا الأسعار مرتفعة عن العام الماضي، وحركة الشراء داخل الحلقة أصابها شيء من الركود، خاصة الأصناف التي لا يقدر عليها أصحاب الدخول المحدودة.

وأشار إلى تعدد الأحجام والأنواع التي تباع داخل الحلقة، مثل سمك البلطي والبوري والمرجان والدنيس والجمبري والسبيط وسمك الموسى والبطاطا والشراغيش وسمك المياس والكابوريا وسمك البربون والسردين وغيرها.

ويضيف محمد حسين (مدرس 44 عاماً) "وجدنا آباءنا يتوجهون إلى حلقة السمك كلما أرادوا شراء أنواع لا نجدها بسهولة في المحلات المنتشرة في المدينة، واعتدنا زيارة ذلك المكان كل أسبوع، والشيء الوحيد الذي ينقصه هو تمديد فترة البيع فيه، حيث لا يسعني أن أتوجه إليه بعد انتهاء عملي، لانتهاء البيع قبل صلاة الظهر في كل يوم".

أشرف رزيق، رئيس جمعية الصيادين في الإسكندرية، يقول إن حلقة السمك في منطقة الأنفوشي كانت ولا تزال هي البورصة التي تحدد أسعار ما يجود به البحر، مؤكدًا أنها لم تتغير منذ نشأتها في عام 1834، على الرغم مما طرأ على المبنى ومهنة الصيد من تطورات على مرّ العصور والحقب التاريخية المختلفة، وتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمصريين.

واعتبر ياسر محمود، أحد تجار التجزئة بغرب الإسكندرية، إن حلقة السمك تحولت من معلَمٍ من معالم المحافظة، إلى "خرابة"، بسبب حالة التدهور التي لحقت بها، ومياه الصرف الصحي التي أغرقتها، وأكوام القمامة المنتشرة في الشوارع المحيطة بها، وعدم الاهتمام بتوفير الصيانة والخدمات لمرتادي المكان.

لافتا إلي مطالبة العديد من أهالي المنطقة بنقل السوق إلى مكان آخر،‏ بحيث يمكن إنشاء سوق كبيرة علي مستوى متطور يسمح باستيعاب كمية الأسماك الضخمة التي تصل إلى المدينة يوميا.
دلالات