"الكوز"... بديل اليمنيين لتوفير مياه باردة

16 اغسطس 2019
المياه تبقى باردة (العربي الجديد)
+ الخط -
مع ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف في اليمن إلى مستويات قياسية، واستمرار انقطاع التيار الكهربائي، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين، يعجز كثير من السكان عن توفير مياه باردة للشرب، ما دفعهم للبحث عن بدائل. ولجأ البعض إلى شراء أواني الفخار أو ما يُسمى في بعض مناطق اليمن بـ"الكوز"، لتبريد المياه، إضافة إلى شراء قوالب الثلج من الأسواق.

في هذا السياق، يقول المواطن حميد عبد الله، وهو من سكان صنعاء، إن انقطاع التيار الكهربائي عن أمانة العاصمة كلياً منذ بدء الحرب قبل أكثر من أربع سنوات، جعله يعتمد على الكوز المصنوع من الفخار لتبريد المياه بسبب الحرارة المرتفعة. ويوضح لـ "العربي الجديد": "نملأ الكوز بالمياه، ثم نضعه في فناء أو في شرفة المنزل حتى يكون عرضة للهواء. وبعد نحو ساعة تقريباً، نحصل على مياه باردة ومنعشة أفضل من تلك المبردة في الثلاجات".

ويؤكد أن الكثير من سكان صنعاء باتوا يعتمدون بشكل رئيسي على الكوز لتبريد المياه، علماً أنهم كانوا قد تخلوا عنه مع ظهور الثلاجات وانتظام التيار الكهربائي. وللكوز مسميات عدة في اليمن؛ أبرزها الجرة، والمدل، والدوح، والقلة، كما أنه يلاقي رواجاً كبيراً لدى سكان المناطق النائية والريفية أكثر من سكان المدن.

في السياق، تقول أم عبد الله الحفاشي، وهي من محافظة المحويت، إنها لا تشرب المياه إلا من الكوز الخاص بها، كما أنها تصطحبه معها إلى كل مكان تذهب إليه، لا سيما في فصل الصيف بسبب درجات الحرارة المرتفعة. تضيف لـ "العربي الجديد": "أستمتع بشرب المياه من الكوز، ولا أستطيع الشرب من قناني المياه البلاستيكية حتى وإن كانت معدنية. واكتشفت أخيراً أنها تعمل على تنقية وتصفية المياه، حتى إن الأطباء ينصحون باستخدامها".

وتؤكد الحفاشي أن غالبية سكان المحافظة، خصوصاً في المناطق النائية والريفية، ما زالوا يستخدمون الكوز أو الجرار لحفظ وتبريد المياه حتى مع ظهور ثلاجات التبريد الكهربائية، لعدم انتظام التيار الكهربائي في تلك المناطق حتى قبل الحرب. تتابع: "الكثير ممن يمضغون القات يفضلون شرب المياه المبرّدة في الكوز، لأنها أنقى من غيرها وليست مؤذية للجسم".

ويشتري فاعلو الخير أوعية كبيرة مصنوعة من الفخار ويضعونها على الطرقات وفي الأسواق العامة، كونها توفر المياه الباردة للمارة من دون الحاجة إلى الكهرباء. من بين هؤلاء أم سليمان التي أكدت أنها قد اشترت نحو أربع جرات مياه كبيرة ووضعتها في مناطق مختلفة.

تقول لـ "العربي الجديد": "ليس من الضروري شراء ثلاجات، وقد أجبرنا على العودة إلى الوراء، وبتنا نعيش على غرار أجدادنا". وتشير إلى أن المسجد الذي تصلي فيه كان يحتوي على ثلاجة. لكن بسبب انقطاع الكهرباء اليوم، يشرب المصلون من جرة كبيرة توفر لهم المياه باردة".

كثير من الأسر اليمنية لجأت إلى شراء الأواني الفخارية خلال سنوات الحرب الماضية، خصوصاً الكوز الذي يحافظ على برودة المياه لفترات طويلة خلال فصل الصيف، بحسب بائع الفخار حسن الخولاني. يقول لـ"العربي الجديد" إنه يمكن صناعة أشياء كثيرة من الفخار، منها إبريق القهوة الذي يسمى "الجمنة"، والأكواب وتسمى الفناجين، وقدر اللحمة ويسمى "برم"، والمزاهر، وتنانير الخبز، والمواقد الخاصة بالطبخ، وأشياء أخرى في متناول الناس بسبب انخفاض أسعارها".

يضيف: "العمل في صناعة وبيع الفخار لم يعد مربحاً كما في السابق، بسبب ارتفاع أسعار المياه وأجرة النقل، والتراب المخصص لصناعة الفخار، إضافة إلى توقف السياحة في البلاد منذ بدء الحرب في مارس/ آذار 2015". ويساعد كوز الفخار على تنقية المياه من الشوائب والتقليل من البكتيريا بحسب الطبيب جلال محمد.

ويقول محمد إن المياه التي تتعرض للضغط داخل المواسير غالباً ما تكون ملوثة قبل وصولها إلى المنازل، وبالتالي تضر من يشربها. يضيف لـ"العربي الجديد": "أفضل طريقة لاستعادة الطاقة الحيوية للمياه هي تعبئتها في فخار الكوز أو الجرة، وخلال أقل من ساعة يعود للماء حيويته، لأن الفخار مصنع من طين وهو أقرب المواد الطبيعية إلى الإنسان"، مؤكداً أن الفخار يعمل على تقليل تكاثر البكتيريا، كما يحتوي على نسبة معادن عالية تعطي الجسم طاقة إيجابية، إضافة إلى أنه يحفظ المياه باردة وينقيها من الشوائب. وينصح محمد جميع السكان في اليمن باقتناء فخار الكوز بدلاً من استخدام قناني المياه البلاستيكية عند شرب المياه، لما له من فوائد عدة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بكسل وخمول دائمين، ومشاكل في الكلى والمسالك البولية.


وتشتهر محافظات يمنية عدة بصناعة الفخار، منها الحديدة (غرب)، وريمة (غرب)، وإب (وسط)، وذمار (وسط)، وحضرموت (شرق) وتعز (جنوب) وصنعاء. وتدخل في صناعته مواد طبيعية، أهمها الطين اللبني الذي يوجد على شكل خيوط حمراء في باطن الأرض والجبال ويطلق عليه اسم التراب الأحمر، ويعجن بالمياه، ثمّ يُخمّر لمدة 24 ساعة. بعدها، يُشكل بقوالب بحسب نوع الإناء أو الموقد الذي يراد صنعه، بأدوات وطرق تقليدية، ثم الانتظار لمدة شهر حتى يجف تماماً. وفي الخطوة الأخيرة، يُحرق الفخار ثم يصبح جاهزاً للبيع في الأسواق.