"حَضْية" و"إحْ ضي آي" في المغرب

22 ديسمبر 2016
ربما يتتبّعها أحد الفضوليّين (كارل دي سوزا/ فرانس برس)
+ الخط -

يُقال إنّه لا يمكن أن تحدث جريمة متكاملة في المجتمع المغربي، ولا يمكن لسارق أن يسرق، أو لقاتل أن يقتل، أو أن يجلب جار شيئاً إلى بيته، أو يدخل شخص إلى مسجد أو حانة ليلية من دون أن تراه العيون وترصده الألسن. هذه الصورة تجسّد ظاهرة "الحَضْية" في المجتمع.

و"الحضية" تعني فضولاً لا يكاد يسلم منه إلّا قلة. وعادة ما يتلهّف هؤلاء الفضوليّون لمعرفة أخبار الآخرين. ولا يكتفون بهذا الحد، بل قد يتتّبعون خطوات الناس لمعرفة كل شيء عنهم، وذلك من أجل إشباع غريزة الفضول لديهم. ويُطلق البعض على هذه الظاهرة إسم "إحْ ضي آي" على وزن مكتب التحقيقات الفدرالي في الولايات المتحدة الأميركية "إف بي آي".

ومن قصص "الحضية" والفضول في المجتمع المغربي، ما حصل في أحد الأحياء الشعبية في مدينة الرباط. كانت نعيمة تحكي مع والدتها عن الإنجاب وقد تأخّر حملها رغم مرور سنوات عدّة على زواجها. تقول إنّها لن تنسى تلك الليلة حين بدأت النساء في البيت يخبرنها بألا تيأس بسبب تأخر حملها، وأنّ الله لا يعجز عن شيء. وتفاعلت شقيقاتها وأطلقن زغاريد في إطار المزاح. وفي اليوم التالي، تفاجأت بالجيران يباركن لها الحمل، ويسألنها عن موعد الولادة.

استغربت نعيمة رواج خبر حملها وقرب موعد ولادتها، والذي انتشر بقوة بين نساء الحي، وحتى بين زميلاتها في العمل. وبعدما حاولت الاستفسار عن الأمر، اكتشفت أنّ جارة فضولية كانت تسترق السمع تلك الليلة من وراء الجدران، وفهمت خطأ أن الأمر يتعلّق بحمل فعلي وليس بمجرد تمنيات، فسارعت إلى نشر الخبر من دون تثبت.

ما حدث مع نعيمة يظهر تفشّي ظاهرة "الحضية" والفضول داخل المجتمع المغربي. أما عمر المراكشي، وهو رب أسرة يعيش في ضواحي الرباط، فقد عانى أيضاً من "الحضية" بسبب جار اعتاد مراقبته. يقول لـ "العربي الجديد" إنّه عانى بشدة بسبب جار مسنّ كان يحرص على الجلوس في مقابل منزله. إلّا أنه لم يكن يفعل ذلك للراحة أو الترفيه عن نفسه، إذ إنه لم يكن يتردد في تتبّع خطوات كل من يمر في المكان.




وبدأت نساء الحي يشتكين لأزواجهن بسبب نظرات الجار المسن الذي كان يراقبهن منذ لحظة خروجهن من بيوتهن وحتى نهاية "الزنقة". يضيف أن الرجل كان يبدو مستمتعاً بهذه "الهواية الغريبة"، كما أنه لطالما حرص على معرفة ماذا تحمل الجارات في الأكياس بعدما يرجعن من السوق.

يتابع أنّ عمر الرجل لم يكن يتجاوز الستين عاماً، وقد عرف جميع السكان، أنه كان يتذكّر أسماءهم وأشكالهم وملابسهم ويدقق في أكياس التبضع لمعرفة ماذا تحتوي. وحتى بعدما خاصمه كثيرون، لم يرتدع.

وبفضل "الحضية"، عادة ما تكشف الجرائم بسرعة، من دون الحاجة إلى جهود رجال الأمن، إذ إنّ المواطنين قادرون على ذلك. ومثال على ذلك محاولة سرقة شاب كان يحمل مبلغاً كبيراً من المال من قبل شخص كان يحمل سيفاً في مدينة الدار البيضاء قبل فترة.

وتمكّن رجال الأمن من التعرّف إلى السارق من خلال كاميرا كانت مثبتة في المكان. إلّا أنّ ناشطين على "فيسبوك" كانوا قد تمكّنوا من تحديد ملامح المجرم قبل رجال الأمن، فنشروا صوره ليقدّموا بذلك خدمة كبيرة لمصالح الأمن التي اعتقلت المجرم بسهولة.

في هذا السياق، تقول الباحثة الاجتماعية، ابتسام العوفير، لـ "العربي الجديد"، إنّ "الحضية ظاهرة اجتماعية تنتشر بشكل أكبر بين الفقراء، لتعويض النقص المادي". تضيف أنّ "الحضية وتتبّع أخبار الآخرين هي سلوك أصحاب الشخصيات الضعيفة، لأنّه عادة ما لا يلتفت الأقوياء لما يملكه الآخرون. لذلك، يقال إن أصحاب العقول الكبيرة يناقشون الأفكار، بينما يناقش أصحاب العقول الصغيرة شؤون الآخرين".

استخبارات محليّة

كثيراً ما يسخر المغاربة من "الحضية"، ويقول بعضهم إن بلادهم تضاهي قدرات الولايات المتحدة في جهاز "الاستخبارات المحلية"، من خلال تعيين السلطات مستخدمين يتولّون مهام مراقبة الأحياء وتصرّفات السكان، ويكتبون عنهم تقارير يومية، ليكونوا بذلك عيناً راصدة لكل ما يدور في البلاد.

دلالات