وسائل تدفئة خطيرة في اليمن

22 ديسمبر 2019
مدافئ الغاز معتمدة (محمد حمود/ Getty)
+ الخط -

في موسم البرد، يحاول اليمنيون، في ظلّ الظروف المعيشية القاسية التي تسببت بها الحرب، أن يوفروا الدفء، لكنّ ذلك دونه مخاطر كبيرة، إذ يستخدمون وسائل غير آمنة قد تسبب كوارث

فُجع أبناء نبيل الآنسي الأربعة إثر اضطرارهم لكسر باب غرفة نوم والديهم برؤيتهما هناك جثتين هامدتين بينما كانا نائمين. مر وقت طويل حتى فهموا ما حدث عندما نقلوهما إلى المستشفى على أمل إنعاشهما، لكن لم ينفع شيء. هناك تلقوا عدداً من الأسئلة حول ما يمكن أن يكون سبب وفاتهما المتزامن، فتبين أنّ ذلك يعود إلى تشغيل مدفأة تعمل على الغاز كان الأب قد اشتراها في اليوم السابق لتدفئة غرفته من موجة الصقيع التي تضرب المرتفعات الوسطى من اليمن منذ بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري.




في كلّ شتاء، ومن أجل التكيف مع انقطاع التيار الكهربائي عن معظم المناطق اليمنية، للعام الخامس على التوالي، يسعى اليمنيون المتأثرون من موجات الصقيع إلى مكافحة البرد الشديد بأدوات وأجهزة غير كهربائية، لكنّها في الغالب ضارة صحياً أو قاتلة، في ظلّ توعية مجتمعية منخفضة وتساهل واضح من السلطات.

الابن الأكبر للضحية محمد نبيل، يقول إنّ والده سمع من أصدقائه عن جهاز جديد يعمل بالغاز يستخدم للتدفئة ولا يبعث أيّ رائحة بالإضافة إلى أنّه اقتصادي: "وجدنا والدينا في وضعية النوم، وقد أخبرنا الأطباء بأنّهما توفيا مختنقين من جراء إغلاق الغرفة وتنفسهما الغاز السام المنبعث من الجهاز الجديد".

الحظ حالف المواطن محمد سعيد، القاطن في مدينة ذمار (وسط)، الذي نجا من الموت المحقق من جراء استخدامه المدفأة الغازية نفسها. يؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّه حطم الجهاز بعد تعرضه وزوجته وطفله لخطر الموت بسببه. يقول: "شغلنا الجهاز للتدفئة ولم يصدر أيّ رائحة وكان الأمر طبيعياً ثم نمنا. وبعد مرور بعض الوقت، رنّ هاتفي فصحوت للردّ على المكالمة لكنّني شعرت ببداية اختناق وانعدام الهواء فأدركت سريعاً أنّه بسبب الجهاز، ففتحت النوافذ والباب وأخرجت الجميع إلى الغرفة المجاورة".

عادة ما تتكرر مثل هذه الحوادث سنوياً لعدد من الأسر، لا سيما الأسر الفقيرة المعدمة التي لا تتمكن من شراء البطانيات الثقيلة أو الأجهزة، إذ تلجأ للتحطيب أو شراء الفحم واستخدامه في التدفئة خصوصاً أثناء فترات الليل وأثناء النوم لتشرق شمس اليوم التالي على فواجع تضرب مناطقهم، بسبب التسمم بأول أوكسيد الكربون، أو حتى الاحتراق. وفي السياق نفسه، تستخدم الأسر الميسورة في ظلّ ارتفاع رسوم اشتراكات المولدات الخاصة، مولدات صغيرة مزودة بالسولار أو البنزين في التدفئة مع وعيها بضرورة وضع المولدات واتجاه نفث دخانها خارج المساحات المعيشية مع إيجاد منفذ لها إلى الخارج.

تفضّل أم عبد السلام العديني عدم استخدام أيّ نوع من أنواع أجهزة التدفئة الكهربائية أو الغازية كونها تعرّض أطفالها للخطر، بحسب اعتقادها. تقول: "لا يمرّ يوم إلّا نسمع عن تعرض بعض السكان لمشاكل صحية، بعضها يصل إلى حدّ الوفاة بسبب هذه الأجهزة". تضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ عائلتها استخدمت مدفأة تعمل بالكهرباء لبعض الوقت، لكنّ جميع أفراد أسرتها باتوا يعانون من آلام في المفاصل: "عندما ذهبنا إلى الطبيب، قال لنا إنّ السبب يعود إلى المدفأة، لكنّ حظنا كان أفضل من غيرنا، فهناك من تعرض للاختناق أو احترق منزله بسبب هذه الأجهزة، ولهذا تركنا استخدامها"، مشيرة إلى أنّهم يكتفون باستخدام البطانيات للتدفئة.

وتعتبر الأسر النازحة أكثر استخداماً للحطب بهدف التدفئة ليلاً، ما يتسبب بأضرار صحية مختلفة لا سيما عند الأطفال. ومنهم عبد الله التهامي (11 عاماً)، الذي يعيش حالياً في أحد المنازل المستأجرة في صنعاء بعدما نزح مع أفراد أسرته قبل عامين. يعاني عبد الله من التهاب في الصدر، تفاقم أخيراً بسبب دخان النار التي توقدها والدته باستمرار. تقول والدته لـ"العربي الجديد": "أطبخ بالحطب يومياً، لكن مع مجيء البرد بدأت بإيقاد الفحم ليلاً بهدف تدفئة الغرفة التي نعيش فيها"، مشيرة إلى أنّ ذلك تسبب في إصابة أحد أطفالها بالسعال المستمر طوال الليل. تواصل: "كنت في حيرة، إذ كيف أحمي أولادي من البرد من دون أن أتسبب بضرر ينال من صحة عبد الله الذي يعاني من مشكلة في التنفس في الأصل، حتى تبرع أحد رجال الأعمال لنا بثلاث بطانيات ذات جودة عالية ساعدتنا على تحمل البرد".




الطبيب منير الدغشي يؤكد تزايد أعداد الحالات الوافدة إلى المركز الطبي الذي يعمل فيه كنتيجة لموسم البرد والممارسات الخاطئة لبعض ربات البيوت اللواتي يوقدن الفحم والبخور بغرض تدفئه المنزل، ما يتسبب في اختناق أطفالها بالغازات الضارة. يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ هذه الغازات الناتجة عن إحراق الحطب والفحم أو المنبعثة من بعض الأجهزة تسبب أضراراً بالغة عندما تكون الأماكن التي تنبعث فيها مغلقة ولا تهوية فيها. يتابع: "على رأس هذه الغازات أول أوكسيد الكربون، وهو ما يسمى القاتل الصامت، فهو عديم اللون والطعم والرائحة، فتمتصه الرئتان إلى الدم بسهولة". يلفت إلى أنّ قوة التصاق غاز أول أوكسيد الكربون بكريات الدم الحمراء أقوى من قوة التصاق جزيئات الأوكسجين بها بمقدار 230 مرة، وهذه العملية تحرم الأنسجة من الحصول على الكمية اللازمة من الأوكسجين، ما يؤدي إلى الاختناق. يعدد الدكتور الدغشي أعراض الإصابة بهذا التسمم، بداية من الصداع في الجهة الأمامية من الرأس والدوران وعدم التركيز، بالإضافة إلى الغثيان وتسارع في ضربات القلب والضغط المنخفض وعدم التوازن في المشي.
المساهمون