الطفل اليمني مصدوم

29 مارس 2016
من الضرورة إحاطته بالحب والحنان وطمأنته (العربي الجديد)
+ الخط -
مراراً، تصحو فاطمة الخالدي (6 أعوام) في الليل فزعة، وتبحث عن والدتها. أزيز الرصاص وأصوات الانفجارت التي لا تتوقف في العاصمة اليمنية صنعاء منذ أكثر من عام، ترعب الصغيرة، في حين تجد أسرتها نفسها عاجزة عن إيجاد حلول لهذه المشكلة.

يقول والد فاطمة إن الحرب أثرت على ابنته بشكل بالغ، بخلاف بقية أطفاله الذين استطاعوا التكيّف مع الوضع والذين يعيشون حياتهم بشكل طبيعي بالرغم من الخوف الذي يتحكّم بهم عند سماع القصف. يضيف: "نحن نسكن إلى جانب مطار صنعاء الدولي شمال المدينة، وقد تعرّض هذا المكان مراراً وتكراراً لقصف شديد ومتواصل، إذ راحت مقاتلات التحالف العربي تستهدف مدرجات الطائرات في المطارين المدني والعسكري". هو يدرك جيداً أن الانفجارات المتكررة والقريبة من منزله كانت سبباً في تفاقم حالة ابنته، التي غالباً ما تنقل لوالديها الكوابيس المخيفة التي تراها في نومها، بالتزامن مع التبوّل اللاإرادي. ويشكو الوالد من عدم قدرته على اصطحابها إلى أطباء متخصصين في مثل هذه الحالات.

إلى ذلك، انعكست آثار الحرب على نفسية أسامة السفياني (8 أعوام). تقول والدته: "تعوّد أسامة اللعب مع أصدقائه في الحي أمام المنزل، لكنني منذ بداية الحرب منعته من الخروج نهائياً بعد وفاة أحد أطفال الحي، براجع مضاد الطائرات قبل ثلاثة أشهر". وقد حوّله ذلك "ابناً آخر، يختلف عن الذي عرفته. أصبح انطوائياً ومكتئباً واختفت ابتسامته الدائمة. كذلك هو يعاني حالياً من ضعف في التركيز وخسر بعضاً من وزنه بعد فقدانه الشهية". وتشير إلى أن "والده ينشغل بالعمل خارج المنزل وأنا أنشغل بالأعمال المنزلية، لذا يقضي أسامة معظم الوقت لوحده. وأخيراً بدأ يقضم أظافره".

في السياق، أعدت منظمات مجتمعية برامج خاصة للدعم التربوي والنفسي للأطفال، لا سيّما النازحين منهم في عدد من مدراس العاصمة صنعاء ومدينة المكلا (شرق)، برعاية منظمات محلية ومكتب التربية والتعليم ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف). لكن هذه الأنشطة تبقى محدودة جداً. وكان مسؤول البرامج التربوية في اليونيسف عبد الخالق زيد قد أوضح أن منظمته وضعت برنامجاً طارئاً لتقديم الدعم النفسي والتعليمي للأطفال النازحين في مراكز الإيواء في العاصمة صنعاء وعدد من عواصم المحافظات.
من جهتها، تشير الاختصاصية النفسية جميلة النزيلي إلى أن "للحرب أضراراً غير ملموسة. أكثر أولياء الأمور يعتقدون بأن أضرار الحرب على الأطفال تقتصر على الجوع والموت أو الضرر الجسدي. هم يجهلون أن الحرب تتسبب بمشكلات نفسية خطيرة للصغار، يكون بعضها مزمناً فيلازم المصاب طوال حياته ويؤثر على تطوّره الصحي والذهني، في حال لم يُعالج بالطرق العلمية المناسبة".

وتوضح النزيلي لـ "العربي الجديد" أنه "كثيرة هي الدول التي تعدّ المشكلات النفسية لدى الأطفال من الأسوأ فتكاً، إذ هي مرتبطة بالمستقبل وقد تؤثّر على الإنتاج المعرفي والاقتصادي الوطني. كلّما كان الطفل سليماً من الناحية النفسية، كلّما انعكس الأمر إيجاباً عليه وعلى من حوله في محيطه والمجتمع مستقبلاً. والعكس صحيح". تتابع أن "بالإمكان حلّ هذه المشكلات من خلال إجراءات بسيطة يستطيع أولياء الأمور اللجوء إليها من دون تكاليف، تستفيد منها الأسر الفقيرة". وتشدد على ضرورة "تجنّب الانفعال والغضب على الطفل في حال أتت سلوكياته غير لائقة نتيجة ردّ فعله على الانفجارات. ومن المهم إحاطته بالحب والحنان ومحاولة طمأنته في هذه الظروف وإلهائه بوسائل مناسبة".

وتطالب النزيلي المنظمات الدولية المعنية بالأطفال والصحة كذلك وزارة الصحة العامة والسكان ووزارة التربية والتعليم في اليمن، "بإنشاء مراكز متخصصة في برامج الدعم النفسي والمساحات الصديقة وتوظيف متخصصين اجتماعيين في مدارس المناطق التي عرفت مواجهات مسلحة وتعرّضت للقصف المستمر من قبل الطائرات".

وكانت تقارير أممية قد أكدت أن 11.7 مليون شخص بحاجة إلى الحماية النفسية والقانونية، من بينهم 7.3 ملايين طفل يعاني عدد كبير منهم من صدمات نفسية. وبحسب تقرير حديث لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن المتضررين من النزاع في جميع أنحاء اليمن شهدوا صدمات نفسية متكررة، لا سيّما الأطفال الذين يعدّون الأكثر ضعفاً وتضرراً. ويؤكد التقرير أنه من المرجح ظهور "تغيّرات في العلاقات الاجتماعية والسلوكيات وردود الفعل الجسدية والعواطف، على الأطفال الذين عانوا من حالات توتر أو صدمات نفسية". ويشير إلى أن هذه الآثار قد تظهر على شكل اضطرابات في النوم وكوابيس وانطواء ومشكلات في التركيز والشعور بالذنب والقلق والارتباك.

يضيف التقرير الأممي أن ضعف الأطفال في اليمن يزداد بسبب إغلاق المدارس، وتراجع الدعم النفسي والاجتماعي، وتفاقم نقص التغذية والتحديات التي تعيق الحفاظ على آلية الرصد والإبلاغ عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الطفل، بالإضافة إلى عدم إمكانية الوصول إلى خدمات صديقة للطفل.

اقرأ أيضاً: "يونيسف": أطفال اليمن على حافة الهاوية