بيوت الجزائريين القديمة... إرث ثقيل

07 أكتوبر 2016
إلى متى يبقى صامداً؟ (يانيس بن رمضان)
+ الخط -
يعدّ الجزائري كلّ ما يرثه عن الآباء والأجداد "مكسباً مقدّساً" لديه لأنّه يحمل "ريحة الجدود"، ويرى التفريط فيه مجلبة للعار وكلام الناس. لكنّ معطيات موضوعية كثيرة جعلته يتراجع في ما يخصّ تعلّقه بالبيت الموروث عن العائلة، إذ إنّ عدداً كبيراً من هذه البيوت راح ضحية الجرّافات التي تمهّد الأمكنة لمبانٍ جديدة. في بعض الأحيان، تأتي تلك المباني بعيدة عن الذوق، وهي إمّا تخصّص للتجارة أو للسكن.

في أكثر من جهة، رصدت "العربي الجديد" مشهد جرّافة أو أخرى تنهش بيتاً قديماً، في حين تجمّع أشخاص يستمتعون بالمشهد وهم يتحدّثون عن مستقبل المكان. قد يكونون ورثة شرعيّين للعقار أو تجاراً اشتروه من ورثته. عند القصر القديم في مدينة بشار في جنوب غرب البلاد، نسأل أحد الموجودين في المكان إن كان مضطراً إلى فعل ذلك في حقّ مبنى يعود إلى قرون، فيردّ ببرودة: "لقد أدّى ما عليه، وآن لنا أن نقيم مكانه مبنى جديداً بوظائف أخرى يحتاجها الجيل الجديد في العائلة".

في قرية تيزي حسن في الشمال، كانت المجزرة أكثر فجاعة. فقد هدم سكّانها ثلثَي بيوتها القديمة بعد حصولهم على دعم حكومي لبناء مساكن جديدة بهدف منع النزوح الريفي. وتلك المباني ليست سوى كتل إسمنتية يشبه بعضها بعضاً، على عكس البيوت القديمة التي يقول عنها عمر مريحات، وهو ناشط اجتماعي، إنّها "ثمرة لعبقرية الأجداد في التأقلم مع بيئتهم. فهي باردة صيفاً ودافئة شتاء، إذ إنّها من حجر وطين وقرميد". ويسأل: "أتفهّم أن يهدم ساكن المدينة بيته القديم، لحاجته إلى العقار، فما بال القروي الذي يملك أرضاً واسعة. هل هو الانتقام من الماضي المتعب؟".



ويأسف مريحات إذ إنّ ثقافة التخلص من المباني القديمة في قريته، امتدّت إلى أقدم مسجد عرفته. يقول إنّه "كان مسجداً متميزاً بهندسته البسيطة. فتحت أجيال القرية عيونها عليه، لكنّهم هدموه ليقيموا مسجداً نمطياً، في حين كانوا قادرين على الاحتفاظ به، لأنّ المساحة شاسعة بما يكفي". ويشير إلى أنّ مركزاً فرنسياً في قرية مجاورة، كان الثوّار يُعذّبون فيه، لقي المصير نفسه على الرغم من أنّه "كان يمثّل الذاكرة الثورية للمنطقة. هدم وأقيم مكانه مركز للحرس البلدي".

في المجلس البلدي، يقول لنا أحد أعضائه مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إنّهم لا يملكون "صلاحية منع السكان من هدم بيوتهم الموروثة، إلا إذا كانت مصنّفة تراثاً وطنياً أو إنسانياً". يضيف أنّ "ثمّة بيوتا كانت مقرات فعالة في زمن ثورة التحرير، لكنّها لم تنج من الهدم، وحلّت محلها مبان بلا روح في حين كان من الممكن تحويلها إلى متاحف وبقع سياحية". وعن العوامل الذي تدفع في هذا الاتجاه، يذكر العضو البلدي "ضيق الوعاء العقاري في بعض المناطق، بالإضافة إلى أنّ مباني قديمة كثيرة تذهب وراثتها إلى أكثر من طرف، وكذلك قلّة وعي الجيل الجديد بعمقها التاريخي وانحسار السياحة التي تجعله يوظفها في هذا الباب فتكتسب قيمة لديه بعائداتها المالية".

من جهته، يربط الخبير في السياسات الثقافية عمار كساب "هذه النزعة لدى المواطنين بسياسة الإهمال المتبنّاة من طرف الحكومة نفسها". يقول: "قصبات الجزائر بمعظمها، وهي مصنّفة، إما تتهاوى أو تخضع إلى ترميم غير مطابق للمعايير الدولية. كذلك تعرّض عدد كبير من الآثار الرومانية والإسلامية إلى نهب للزمان والإنسان". يضيف: "كأنّ ثمّة تواطؤاً بين الحكومة وشعبها على محو كلّ ما يمثّل الذاكرة". ويدعو كساب إلى "وضع خارطة تحدد الأماكن حيث يجب على المواطن لزاماً الحصول على رخصة بالهدم، بعد معاينة القيمة التاريخية للمبنى". ويلفت إلى أنّ "هذا العبث غير موجود لدى جيراننا التونسيين والمغاربة".

في هذا السياق، يشير الإعلامي بوبكر بلقاسم إلى أنّ "الظاهرة محدودة في المناطق الأمازيغية"، موضحاً أنّ "الأمازيغي يضفي قداسة خاصة على البيت القديم، ويخضعه لعناية دائمة تحميه من الانهيار، ويتخذ منه مكاناً لتخزين الأشياء القديمة، فيصبح شبيهاً بمتحف للعائلة". ويقول إنّ "المسكن الجديد يأتي عادة لصيقاً بالبيت القديم وليس على أنقاضه. وإن لم تكن المساحة كافية لذلك، فالأمازيغي يترك البيت القديم على حاله ويبحث له عن مكان آخر للسكن". وينبّه بلقاسم إلى "خطورة تساهل الجيل الجديد مع موروثه، في ظل تساهل حكومي غير مبرّر". ويتابع: "أخشى أن يأتي علينا زمن نفقد فيه عطر الذاكرة، ونصبح أسرى مبان بلا روح ولا ذوق"، متسائلاً "لماذا لا نلحظ هذا التساهل مع المباني الموروثة عن العهد الفرنسي؟".

دلالات