شباب الجزائر ينبذون اللباس التقليدي

28 مايو 2017
حفاظاً على الأصالة (العربي الجديد)
+ الخط -

تهدف تظاهرة "الأغواط الزّينة" إلى تحرير الشاب الجزائري من عقدته المرتبطة باللباس التقليدي ونظرته السلبية إليه. هو يُعَدّ من مظاهر الهوية الوطنية.

تختلف الأزياء التقليدية الجزائرية من منطقة إلى أخرى، بين عربية وأمازيغية أو بين ساحلية وجبلية وصحراوية، لجهة الألوان والأشكال وطبيعة المواد المصنوعة منها وطريقة استعمالها. لكنّها تشترك كلّها في أنّها تدلّ على الهوية الوطنية الجزائرية. ولعلّه في الإشارة إلى المساحة العامة للبلاد البالغة مليونَين ونصف مليون كيلومتر مربّع تقريباً، تفسير لهذا التنوّع والثراء في هذا المجال.

"البرنس" أو "البرنوس" كما يُنطق في اللهجات الدارجة، من بين أشهر الألبسة الشعبية الخاصة بالرجال في الجزائر. يوضع البرنس على الكتفَين ليغطّي كامل الجسد ما عدا الجهة الأمامية، في حين تأتي "القشّابية" كجبّة تغطي الجسد كلّه. وهذان الرداءان يُصنعان إمّا من صوف الأغنام أو وبر الجمال، وتتنافس مناطق كثيرة في حياكتهما. يُذكر أنّ القطعة الجيّدة قد يصل ثمنها إلى ألف و500 دولار أميركي.

بقيت هذه الأزياء الشعبية مرافقة للجزائريين إلى ما بعد الاستقلال في عام 1962 بسنوات قليلة، إذ راحت تتراجع لصالح الأزياء المستوردة، خصوصاً تلك التي كانت تدلّ على الانتماء الاشتراكي في سبعينيات القرن العشرين مثل "باديليفان" الواسعة عند أسفلها، ثمّ تلك المنتشرة في أميركا وأوروبا الغربية بعد الانفتاح السياسي والاقتصادي منتصف ثمانينيات القرن الماضي.

في معرض مقارنته بين فترتَي الاحتلال والاستقلال من جهة التشبّث بالأزياء المحلية، يقول الكاتب والناشط فتحي كافي إنّ "إقبال الجزائريين على ألبستهم الشعبية خلال الفترة الاستعمارية كان أكبر منه بعدها، نظراً إلى إحساسهم بالتميّز عن الفرنسيين". ويؤكّد لـ "العربي الجديد" أنّ "اللباس كان مظهراً من مظاهر المقاومة لديهم. يأتي ذلك إلى جانب نمط التعليم الديني، وهو نمط ينسجم مع هذا اللباس". يضيف أنّ "اللباس الشعبي راح يفقد سلطته حين فرضت المدارس على التلاميذ والإدارات على الموظفين، بعد الاستقلال الوطني، ارتداء اللباس الغربي. فتحوّل بالتراكم إلى مظهر رسمي".

احتفاءً باللباس التقليدي (العربي الجديد)


في السياق، يقول الباحث في الفلسفة إبراهيم قفّاف لـ "العربي الجديد"، إنّه "من الطبيعي أن تدخل الأزياء الأجنبية إلى المشهد الجزائري، فالموضة باتت عابرة للحدود والقارات. أمّا غير الطبيعيّ فهو أن يصاب الجيل الجديد بعقدة من الأزياء الشعبية الموروثة، فيربطها بالتخلف والانغلاق وعدم مواكبة العصر". ويشرح أنّ "غياب المنظور المتوازن في المنظومتين التربوية والسياسية بعد الاستقلال، أدّى إلى خلق قطائع سلبية في حقول كثيرة منها حقل اللباس، فبات المستورد يرمز إلى العصرنة في مقابل رمزية الموروث إلى القِدَم".

ويلفت قفّاف الانتباه إلى معطى وصَفَه بالحساس، وهو أنّ "الجزائريين فهموا ما يسمّى بالغزو الثقافي على أنه ما يأتي من الفضاء الغربي فقط، لا ما يأتي من الفضاء الإسلامي كذلك حاملاً خصوصيات محلية لدول إسلامية أخرى". يضيف أنّ "الجزائري المتديّن بات يرتدي ألبسة تنتمي إلى مجتمعات إسلامية أخرى، معتقداً أنّها اللباس الإسلامي الحقيقي على حساب زيّه المحلي، بينما هي أفغانية أو سعودية على سبيل المثال".



ويُسجَّل تفاوت في المناطق الجزائرية في إقبال الشباب على اللباس التقليدي، بعيداً عن أيّ عقد. ففي الوقت الذي يكتفي فيه شباب منطقة بني مزاب (600 كيلومتر جنوبيّ الجزائر العاصمة) بالزيّ الشعبي على مدى الفصول الأربعة وفي كلّ الظروف، نجد شباب المناطق الساحلية يقبلون عليه في المناسبات الدينية فحسب، خلال صلاة الجمعة وعيدَي الفطر والأضحى على سبيل المثال. أمّا في مناطق أخرى، فيبقى حكراً على الحجيج وكبار السنّ. كذلك، نجد هذا الاختلاف في الأعراس، إذ يظهر العرسان بالزي التقليدي في المناطق الصحراوية، فيما يفضّل عرسان الشمال البزّات العصرية.

في ظلّ هذا التراجع في مجال الألبسة التقليدية، بادرت نخبة من الفنانين والناشطين المدنيين في مدينة الأغواط (400 كيلومتر جنوبيّ الجزائر العاصمة) بإطلاق تظاهرة أسمتها "الأغواط الزّينة" تهدف إلى إعادة الارتباط بهذا التراث وبعثه من منظور جديد يجعله مبرمجاً على الاعتزاز لا الابتذال.

ويقول الناشط ياسين تاج لـ "العربي الجديد" إنّهم شكّلوا "كرنفالاً كبيراً جاب شوارع المدينة بالألبسة التقليدية. وفضّلنا أن يتألّف من فنانين وجامعيين ومعماريين وأطبّاء، حتى نمرّر رسالة مفادها أنّ اللباس التقليدي ليس حكراً على كبار السنّ والأميين". يضيف تاج أنّ "ثاني الرسائل التي أردنا توجيهها هي أنّ الغربيين أنفسهم لديهم لباسهم التقليدي الذي يعودون إليه في مناسبات ومفاصل معيّنة من حياتهم. فلماذا نأخذ عنهم لباسهم العصري فقط، ولا نأخذ نظرتهم الإيجابية إلى موروثهم كذلك"؟ ويتابع أنّه "في ظلّ غياب مشروع وطني حكومي لإنقاذ ملامح الهوية الوطنية من الاندثار، ومنها اللباس، لا بدّ من أنّ تتولى منظمات المجتمع المدني ذلك".

ويشير الناشط عبد العزيز الكيلاني إلى ردود الأفعال التي واجهوها خلال تجربتهم تلك، قائلاً لـ "العربي الجديد" إنّ "الآراء المشيدة والمرحّبة بذلك وصلتنا بمعظمها من كبار السنّ. فقد رأوا فينا شبابهم. أمّا الشباب فقد استنكروا بمعظمهم الأمر، ورأوا فيه انتكاسة وعودة إلى الماضي الذي لم يعد موجوداً. وكم كانت التعليقات صادمة، عندما نشرنا صوراً وتسجيلات فيديو خاصة بالكرنفال على الإنترنت".