تركيات يلجأن إلى العنف في مواجهة الانتهاكات

20 ابريل 2015
تزايدت الحملات لوقف الانتهاكات ضد المرأة أخيراً (فرانس برس)
+ الخط -

يتوارث رجال في تركيا ثقافة ضرب النساء وانتهاك حقوقهن. لكنّ النساء لا يتوانين عن الردّ أحياناً، خصوصاً مع امتناعهن عن الحديث عن تلك الانتهاكات بدافع من الخجل والشعور بالعار. لتأتي الردود عنيفة وقاتلة.


أثارت حادثة الاغتصاب والقتل التي تعرضت لها الفتاة التركية أوزغيجان أصلان (20 عاماً)، في فبراير/ شباط الماضي، في مدينة إزمير غضب الشارع التركي، وفتحت بقوة ملف العنف ضد المرأة مرة أخرى. وهو ما أنعش الآمال بإمكانية تحسين أوضاع المرأة التركية وحقوقها.

وتؤكد جميعة "وقف قتل المرأة" بأنّ تركيا شهدت عام 2014 فقط، مقتل أكثر من 294 امرأة، 60 بالمائة منهن قُتلن على يد أزواجهن أو عشاقهن. لكن، في المقابل، هناك حالات كثيرة لإقدام نساء على قتل أزواجهن. وفي الاتجاهين لا توجد إحصاءات دقيقة، سوى بعض الأبحاث. وأحدها بُني على مقابلات أجريت مع 30 امرأة قتلن أزواجهن، ونشرت في كتاب بعنوان "من تفجّرت أرواحهن" للكاتبة الصحافية سيبِل حورتاش.

في هذا الإطار، تؤكد حورتاش لـ"العربي الجديد" أنّ المقابلات التي أجريت مع النساء بالتعاون مع باحثين ومتخصصين في علم النفس "منحتنا الكثير من المعلومات عن المشاكل التي تعاني منها النساء التركيات. وفي بدايتها المشاكل المتعلقة بالثقافة المجتمعية، مروراً بالخجل من الحديث عما يتعرضن له للشرطة عندما تجرى تحقيقات بهذا الشأن، وصولاً إلى قصور الشرطة عن التحرك لحمايتهن، وكذلك عدم حماية القوانين التركية حتى اليوم للمرأة".

تتابع حورتاش أنّ جميع النساء اللواتي أجريت معهن المقابلات أكدن أنهن تعرضن لسوء معاملة من قبل أزواجهن، فيما تحدث البعض عن الضرب والتعذيب الجسدي. وتحدثت أخريات عن محاولات استغلال جنسي، كأن يحاول أزواجهن إجبارهن على المشاركة في ممارسة جنس جماعي، أو الدعارة، أو إجبارهن على ممارسات شاذة أثناء العملية الجنسية.

انتهت معظم الأبحاث إلى نتيجة مفادها أنّ تلك النسوة اضطررن لاستعمال العنف بسبب عوامل اقتصادية واجتماعية متراكمة.

وتتشارك معظم حالات القتل التي تمت دراستها ببعض القواسم، منها أنها كانت تلقائية وغير مخطط لها، وأنّ معظم النسوة تزوجن في سن مبكرة. كما أنّ معظمهن من دون تحصيل علمي أو خبرات حياتية. وأكثر من ذلك فإنّ معظم النسوة حاولن في بداية الأمر اللجوء إلى عائلاتهن هرباً من عنف الزوج، لتعيدهن العائلات عملاً بالمثال التركي الشعبي القائل: "التي تخرج عروساً، لا تعود إلا بكفنها".

كما لجأت معظم النساء إلى أقسام الشرطة، ليعدن إلى بيوت أزواجهن بعد المشهد التقليدي الذي ينصح فيه الشرطي الزوج باللين وبتقبيل زوجته، بينما ينصح الزوجة بالعناية بزوجها والتجمّل له.

وبحسب حورتاش، فإنّ إحدى السجينات، في سجن أنقرة، كانت تخجل من إبلاغ أقاربها وأهلها بالضرب والعنف الجسدي الذي كانت تتلقاه من زوجها، فتوجهت إلى قسم الشرطة خمس مرات. وفي كلّ مرة كان يتم استدعاء الزوج وتجبر على التصالح معه في القسم، لتعود إلى المنزل ويضربها بشدة أكبر من قبل. تضيف حورتاش: "معظم من تم إجراء مقابلات معهن حاولن الانتحار. ولم تنجح إلا واحدة من أصل ثلاثين امرأة بالوصول إلى المحكمة، ليعمد القاضي هذه المرة إلى إغلاق القضية وإجبار الزوجين على التصالح".

لا يختلف القانون التركي بالكثير عن معظم الدول العربية، إذ لطالما تم تخفيف عقوبات الرجال الذين يقومون بقتل زوجاتهم. وتتعدد أسباب الأزواج ما بين لحظة الغضب أو الغيرة أو جرائم الشرف. فعلى سبيل المثال، خفف حكم المؤبد عن رجل شنق زوجته إلى السجن بـ15عاماً فقط لأنه قال للمحكمة إنّه كان يشك في أنّها تخونه مع أحد أقاربه.

في المقابل، تعاني المرأة الكثير من المشاكل أثناء المحاكمات والتحقيقات، ومنها الشعور بالخجل والعار. فالتحقيقات يجريها غالباً رجال من الشرطة، كما تتم المحاكمات في جلسات مفتوحة. وتؤكد امرأة أنّها فضلت الصمت أمام القاضي والمحققين راضية بحكم المؤبد، على أن تخبرهم أنّها قتلته لأنه كان يجبرها على ممارسة الدعارة، وذلك بسب بوجود أولادها البالغين الأربعة في قاعة المحكمة. بينما خجلت أخريات حتى من الحديث عن العنف الجسدي الذي يتعرضن له.

وبالرغم من ذلك، فإنّ بعض الحالات تبقى تبعث الأمل، إذ قامت المحكمة العليا التركية بالمصادقة على قرار براءة المتهمة غولفيدان كوشجوأوغلو في شباط/ فبراير الماضي بعد اعتبار خنقها لزوجها في نهاية عام 2011 دفاعاً عن النفس. فغولفيدان لم تصمت كغيرها، بل أخبرت القاضي أنّها خنقت زوجها بسلك كهربائي كان مرمياً في غرفة الجلوس، بينما كانت تدافع عن نفسها. فقد كانت تشاهد فيلماً معه على التلفزيون، وظهر ممثل عار فأغمضت عينيها، لكنّه اتهمها بأنّها تفرح عندما تشاهد مثل ذلك، وبدأ بضربها فما كان منها إلاّ أن دافعت عن نفسها وقتلته.
المساهمون