خلال شهر رمضان الذي يشارف على نهايته، انتعشت مهن موسمية في مدن تونسية كثيرة، تماماً كما في كلّ عام. وهو الأمر الذي يجعل من رمضان مناسبة يستفيد منها تونسيون كثر لكسب بعض المداخيل، لا سيّما النساء منهم.
ويرتبط شهر الصيام بأطباق تميّز موائد التونسيين بمعظمهم، منها "البريك" الذي يشهد إقبالاً كبيراً، والذي يستلزم تحضيره ورق "الملسوقة". لذا رحنا نرى في الأيام الماضية نساء في مختلف مناطق تونس يصنعنَ "الملسوقة" التي تأتي على شكل دوائر رقيقة من العجين تطبخ بالبيض والتونة أو باللحم وبعض التوابل التونسية. وهذا الطبق البسيط وغير المكلف لم يغب عن موائد التونسيين طيلة أيام شهر رمضان، وسوف يواكب الصائمين حتى آخر يوم منه.
عزيزة الجندوبي ربّة منزل تهتمّ بعائلتها طوال العام، غير أنّها استغلّت شهر رمضان لصنع "الملسوقة" وبيعها. تخبر "العربي الجديد" أنّها "توفّر لي يومياً نحو خمسين دولاراً أميركياً. والعمل يبدأ منذ الصباح، إذ أحضّر عجيناً يشبه عجين الخبز لكنّه سائل، ثمّ أسكب كميات صغيرة منه في قدر مسطح حتى أحصل على رقائق عجين دائرية". تضيف أنّه "في كلّ يوم أصنع نحو ألف ورقة، فأبيع بعضها في السوق اليومي وبعضها الآخر أوصله إلى البيوت". وتتابع عزيزة: "أعمل في الملسوقة منذ عشرة أعوام، في شهر رمضان فقط. فالإقبال عليها كبير خلاله، وهي من الأكلات الرئيسية التي لا تغيب عن موائد الفقير وكذلك موائد الغني".
نساء أخريات يستفدنَ من شهر رمضان لبيع الخبز البيتي التقليدي. وخلال شهر الصيام، توزّعت نساء تونسيات في أماكن متفرّقة من بعض الأسواق اليومية، ولكلّ واحدة منهنّ طاولة خشبية تعرض عليها أنواعاً مختلفة من الخبز. وعلى الرغم من ارتفاع سعر الخبز التقليدي بالمقارنة مع غيره، فإنّ الإقبال عليه كبير من قبل الصائمين. يُذكر أنّ عملية الخبز تكون في أفران صغيرة مصنوعة من الطين، مثلما كانت في الماضي قبل انتشار المخابز العصرية.
عائشة من هؤلاء النساء، تخبر "العربي الجديد" أنّها تبيع الخبز في الأيام الأخرى إمّا في البيت أو للجيران فقط. تضيف: "أمّا في شهر رمضان، فأعرض خبزي في الأسواق لأكبر عدد ممكن من الناس، وأبيع يومياً أكثر من 100 خبزة، الأمر الذي يوفّر لي مداخيل تقارب ستين دولاراً يومياً". وبنشاط كبير تعرض عائشة منتوجاتها أمام الزبائن، وتقول إنّ "التونسي يقبل عادة خلال شهر الصيام على كل ما هو مختلف عن الأيام العادية. كذلك يرغب كثيراً في الخبز التقليدي بدلاً ممّا تبيعه المخابز. لذا، أعدّ الخبز ظهراً وأبيعه من ثمّ ساخناً للزبائن".
غير بعيد عن هؤلاء النساء في السوق اليومي، راحت مفيدة، وهي ربّة منزل، تضع يومياً طاولتها الخشبية الصغيرة منذ بداية شهر رمضان، وتعرض عليها ما تحضّره كلّ صباح من معجّنات مختلفة تصنعها في البيت، إلى جانب بيعها الحمّص والفول. وتوضح مفيدة لـ"العربي الجديد" أنّ "عملي هذا موسميّ يرتبط بشهر الصيام، وهو يساعدني على توفير بعض مصاريف عائلتي، خصوصاً أنّ زوجي لا يملك مدخولاً ثابتاً". وتشير مفيدة إلى أنّها تشتغل أحياناً عاملة تنظيف في بعض المنازل، "لكنّني في شهر رمضان لا أقوى على ذلك العمل الشاق. فأعمد إلى بيع بعض المنتوجات الغذائية التي أعدّها في البيت وتوفّر لي مدخولاً لا بأس به".
ولأنّ شهر رمضان يتميّز بالإقبال على مأكولات وأطباق كثيرة، فإنّ النساء اللواتي يرغبنَ في الاستفادة من هذا الشهر وتحقيق مدخول مادي أو ربح ما، يتوجّهنَ إلى العمل في مجال الأطعمة، فيصنّعنَ ويبعنَ ما يلقى رواجاً خلال هذا الشهر الكريم. وإلى جانب الخبز والأطباق المختلفة، تأتي كذلك الحلويات التي يكثر الطلب عليها خلال هذا الشهر، لا سيّما الحلويات التقليدية التي تحضر بصورة أساسية على موائد التونسيين وفي المطاعم والمقاهي التي راحوا يقصدونها منذ بداية هذا الشهر الذي يوشك على نهايته.
سعيدة بن براهيم من هؤلاء النساء اللواتي يعددنَ الحلوى، تقول لـ"العربي الجديد" إنّها تعدّ سنوياً أنواعاً مختلفة من الحلويات التونسية، من قبيل القطايف والمقروض والزلابية وغيرها. تضيف: "وأبيعها لبعض المقاهي التي تقدّم الحلويات خلال سهرات ليالي رمضان، فالزبائن يقبلون عليها بصورة كبيرة مع فناجين القهوة أو الشاي، كذلك تشتري منّي بعض المطاعم تلك الحلويات". إلى ذلك، تعرض سعيدة ما يتبقّى في الأسواق اليومية في شهر رمضان. وتشير إلى أنّ "هذه المهنة الرمضانية توفّر لها مداخيل مهمة تفوق 1500 دولار خلال الشهر"، وتضيف "بدأت أصنع حلويات في بعض البيوت استعداداً للعيد". وتتابع سعيدة: "وهذا ما يجعل شهر رمضان بالنسبة إليّ باب زرق"، موضحة أنّها اختارت هذه المهنة نظراً إلى الرواج الكبير الذي تعرفه الحلويات على مدى الشهر الكريم وخلال أيام عيد الفطر.
المساهمون
المزيد في مجتمع