قبيل بداية العام الدراسي الجديد في السعودية، فوجئ أهل البلاد بقرار أصدرته وزارة التعليم ينصّ على دمج التلاميذ مع التلميذات من ضمن برنامج "الطفولة المبكرة" الذي يُطبّق في أكثر من 1400 مدرسة ابتدائية في البلاد، من دون مقدمات. ويشمل البرنامج تطوير مرحلة رياض الأطفال ودمجها مع الصفوف الأوّل والثاني والثالث الابتدائية، إلى جانب توظيف مدرّسات في المراحل الابتدائية للمرّة الأولى في تاريخ البلاد.
وبرنامج "الطفولة المبكرة" يهدف، بحسب السلطات المعنية، إلى "تسهيل التعاون ما بين التلاميذ والتلميذات في مختلف المراحل الدراسية لغايات تربوية وتعليمية". يُذكر أنّ مدارس جامعة الملك فهد في مدينة الظهران المخصصة لأبناء أساتذة الجامعة، كانت قد اختبرت مدرّسات في العملية التعليمية المقدّمة إلى تلاميذ المدارس الابتدائية في منتصف تسعينيات القرن الماضي، لكنّ الأمر قوبل بانتقادات كبيرة وأدّى إلى سجال واسع في الصحف السعودية بين المحافظين والليبراليين.
وفور صدور قرار وزارة التعليم، في منتصف شهر أغسطس/ آب الماضي، أي قبل أيام من العام الدراسي الجديد، توقّع المحافظون والمتدينون في السعودية أن يكون مجرّد استعراض إعلامي ومحاولة من الدولة لتسويق نفسها أمام العالم الغربي كما هي الحال في كل مرة، خصوصاً أنّ موضوع التعليم المختلط قد تصدّر في مرّات كثيرة أخبار الصحف السعودية التي تُصنف ليبرالية إلى حدّ ما، وذلك منذ عام 2008. لكنّ يوم العودة إلى المدرسة كان صادماً بالنسبة إلى الأهالي، خصوصاً المحافظين منهم، إذ فوجئوا بأنّ إدارات المدارس تلتزم بعملية الدمج عبر وضع الفتيان والفتيات في صفوف واحدة، وقد قوبل ذلك باعتراض من قبل بعض المتدينين الذين قالوا إنّهم لم يُستشاروا في أمر كهذا.
يقول مدرّس سعودي، فضّل عدم الكشف عن هويّته، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الدمج ليس إجبارياً بل اختياري في 1400 مدرسة في أنحاء البلاد، لكنّ وسائل إدارات التعليم وطرق تعاملها مع التلاميذ تجعله شبه إجباري. وأكثر المشمولين بهذه العملية هم أهل القرى النائية والبعيدة، خصوصاً في جنوب البلاد الذي يُصنّف بأنّه محافظ بدرجة كبيرة ومتمسّك بالعادات القبلية". ويشرح المدرّس أنّ "ثمّة مدرستَين ابتدائيّتَين في كل قرية، واحدة للذكور وأخرى للإناث، واليوم تقوم إدارة التعليم بدمج التلاميذ في واحدة منهما فيما تغلق الأخرى. وفي حال اعترض أحد أولياء الأمور على ذلك، فإنّ إدارة التعليم توجّهه إلى مدرسة غير مختلطة بعيدة عن القرية. بالتالي فإنّ الإجبار ليس كلياً". لكنّ أحد أولياء الأمور الذين تواصلت معهم "العربي الجديد"، يقول إنّ "عملية الدمج غير اختيارية بل هي إجبارية"، مشيراً إلى رسالة تلقّاها من إدارة التعليم تفيده بأنّ ابنه قد نُقل إلى مدرسة مختلطة".
في السياق، قدّم عدد من أهالي المناطق حيث لا تتوفّر سوى مدارس مختلطة، طلبات إلى إدارات التعليم في مناطقهم يلتمسون فيها إعادة العمل بنظام المدارس المفصولة. أهالي قرية سحام في محافظة بيشة التابعة لمنطقة عسير (جنوب غرب)، من هؤلاء، وقد وجّهوا خطاباً إلى مدير التعليم في المنطقة بتأجيل القرار، خصوصاً أنّه "غير مناسب في الوقت الحالي، وبعض التلاميذ يرفض الذهاب إلى المدرسة". لكنّ الردّ الحكومي على المعترضين جاء سريعاً على لسان الأمير فيصل بن بندر، أمير الرياض، عندما سأله أحد الصحافيين عن الأمر، فأجاب: "لا تلتفت لهم هؤلاء أبداً، والخطة واضحة والمسيرة مباركة وسنصل إن شاء الله إلى تحقيق الأهداف بكل ما أوتينا من قوة".
وقد نظّم عدد من الأهالي وقفات احتجاجية مع أبنائهم التلاميذ في ظهران الجنوب وعسير طالبوا فيها السلطات بعدم التعدّي على ثوابتهم الدينية والقبلية وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، لكن دعواتهم لم تلقَ أيّ استجابة حكومية. كذلك، تصاعد الجدال عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين السعوديين أنفسهم، إذ إنّ ثمّة محافظين أطلقوا وسم #سعوديون_نرفض_دمج_المدارس على موقع "تويتر"، ونشروا في إطاره تغريداتهم التي تؤكّد رفضهم لعملية الدمج، بالإضافة إلى تسجيلات فيديو لاحتجاجات نفّذها عدد من الأهالي أمام بعض المدارس المختلطة.
وفي هذا الإطار، نشر بعض المعترضين رسالة كان قد أرسلها وليّ العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان إلى الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء قبل عام 2009 يطالب فيها بمعرفة الحكم الشرعي للاختلاط بين التلاميذ والتلميذات في المدارس، فردّت اللجنة بحرمة ذلك. يُذكر أنّ نصّ الفتوى حُذف من موقع الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء الإلكتروني قبل أن تغلق السلطات الموقع بأكمله بحجّة الصيانة.
من جهتهم، يقول سعوديون مؤيّدون للقرار إنّه سوف يساهم بتقليل الفوارق بين الجنسَين ويجعل آفاق التعليم أوسع وأشمل، لافتين إلى أنّ رافضي القرار كانوا قد اعترضوا في السابق على تعليم النساء في ستينيات القرن الماضي، ثمّ على عمل المرأة، ثمّ على قيادتها للسيارة، ثمّ على إسقاط الولاية عنها. ويؤكد هؤلاء أنّه لا يمكن للبلاد أن تتقدّم إلا بتجاهل مطالبات المعترضين التي وصفوها بـ"الرجعية". ومن المتوقّع أن تتوسّع وزارة التعليم في السعودية بعملية دمج التلاميذ والتلميذات حتى تصل إلى دمج كل المراحل الدراسية.