بهائيو تونس يحلمون بمجتمع لا ينبذهم

26 يناير 2017
هل يتمكّنون من الإفصاح عن انتمائهم قريباً؟ (موقع بهائي)
+ الخط -

لطالما كانت الديانة البهائية بعيدة عن اهتمام وسائل الإعلام التونسيّة، مع حظر أيّ حديث حول الأقليات الدينية والعرقية في البلاد. وهو ما جعل المجتمع التونسي بغالبيته، لا يعي حقيقة التنوّع الديني في تونس بما في ذلك البهائية.

وكانت هذه الديانة قد ظهرت في البلاد بحسب موقع "البهائيون في تونس"، في عام 1921 مع محيي الدين الكردي، وهو بهائي مصري من شيوخ الأزهر أتى ينشر رسالة بهاء الله. آمن عدد من التونسيين بالديانة البهائية، وقد ساهم هؤلاء في إيصالها إلى أصدقائهم ومعارفهم. تجدر الإشارة إلى أنّ السلطات التونسية لم تمنح ترخيصاً قانونياً للنشاط البهائي، حتى بعد الاستقلال في عام 1956. لكنّها، على الرغم من عدم اعترافها بهم، إلا أنّها لم تضيّق عليهم ولم تغلق مركزهم العام في العاصمة. وفي عام 1969، أصدرت قانوناً حول "الاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والتظاهرات والتجمهر"، فحُلّ بالتالي المحفل الروحاني الإقليمي لشمال أفريقيا ومقرّه تونس. لكنّ المحفل الروحاني التونسي عاد خلال انتخابات عام 1972. أمّا في عام 1984، فقد أغلق المركز البهائي العام، إلا أنّ المحفل الروحاني المركزي واصل عمله على الرغم من عدم توفّر رخصة قانونية حتى يومنا هذا.

يعيش البهائيّون في تونس متصالحين مع مواطنيهم الذين تختلف توجّهاتهم الفكرية والدينية. وفي حين يجاهر البعض باعتناق البهائية، إذ إنّ الإيمان الديني مسألة شخصية، يعمد بعض آخر إلى إخفاء ذلك.

ينصّ الفصل السادس من الدستور التونسي على أنّ "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي". ويضيف: "يُحجَّرُ التكفير والتحريض على العنف". لكنّ الاعتراف بوجود البهائيين في تونس بقي مرفوضاً، إذ لم يسمح لهم بتشكيل جمعية خاصة بهم في البلاد، حتى بعد الثورة. فرفع المؤسّسون دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية للطعن في قرار رئاسة الحكومة، وما زالت القضية جارية.

منجي طالب في كلية الحقوق مهتم بعلوم الفلسفة والدين، يخبر أنّه اطلع على "الكتب السماوية وعلى عدد كبير من الديانات. البهائية التي لم أكن أعلم عنها شيئاً والتي لم أكن أدرك وجودها في تونس، واحدة من تلك الديانات". يضيف: "اهتممت بهذه الديانة التي لا تملك كتاباً ولا تتقيّد بمكان، إذ هي فكر وروح من دون طقوس محدّدة أو مراسم لاعتناقها. فالإيمان في القلب والروح". وبعد سنتين، بات منجي مقتنعاً بأنّ "الحياة تتطلب تتابعاً في مجيء الرسل، لتتماشى مع العصر وتتكامل مع تطوّر البشرية وتتناسب مع مستوى تطوّر الفكر". ويلفت الشاب إلى أنّه لا يخبر زملاءه وأصدقاءه بقناعاته الدينية، "مخافة تكفيري. فالمجتمع ما زال في جزء كبير منه لا يؤمن بالتعددية مهما كان نوعها". ويؤكّد على أنّه لا يطمح إلى نشر البهائية ولا إلى إقناع أيّ كان بها، "فهي تحرّم علينا التبشير".




أمّا الشيخ مقداد، فيقول: "وجدت نفسي في عائلة بهائية، فلم أخرج عن تعاليمها. وعائلتي هي الوحيدة التي تعتنق هذه الديانة بين المقرّبين، إلا أنّها لم تعلن عن ذلك صراحة منذ أكثر من خمسين سنة. من غير الممكن أن يقبل أحد برسول بعد النبي محمد". يضيف: "بعد تعمّقي بالدين وبحثي في قضايا الوجود وعلاقة الإنسان بالله والرسالات السماوية، بتّ مقتنعاً بأنّ تطوّر العصور يتطلب تطوّر الرسالات". بالنسبة إليه، "يبقى الإيمان الديني مسألة شخصية مرتبطة بعلاقة الإنسان بالله أولاً وثمّ علاقته بالمجتمع بالإضافة إلى ما يمكن أن يقدّمه في سبيل تطوّر البشرية. لكنّ المجتمع التونسي ما زال للأسف رافضاً للاختلاف العرقي والديني وحتى الجهوي".

من جهته، يتحدّث عضو مكتب الإعلام في المحفل الروحاني البهائي، محمد بن موسى، عن مدى قبول المجتمع التونسي للبهائيين، مشيراً إلى أنّ " الوضع ليس مثالياً أو خالياً من التمييز. ما زال مجتمعنا يختزن كثيراً من مشاعر التفوّق الديني والعرقي، وعلينا أن نبذل جهداً أكبر لتكريس التعايش". وكان بن موسى قد تحوّل من الإسلام إلى البهائية "منذ أكثر من عشر سنوات بعد دراسة وبحث معمّقَين. فقد وجدت الراحة في تعاليم بهاء الله. وأصبحت أؤمن بأنّ الحقيقة الدينية نسبية وليست مطلقة، لأنّ الديانة تستجيب لتطلعات العصر ونضج الإنسانية". ويشدّد على أنّهم يريدون أن "يتعلم المجتمع التونسي أنّ الاختلاف لا يمثّل تهديداً، وأنّ التعايش ضرورة من أجل وحدة الجنس البشري".

رضا بن حسين اعتنق البهائية في عام 2002، يخبر أنّه كان يرتاد المساجد باستمرار ويؤدّي فروض الصلاة بانتظام، "لكنّ أسئلة كثيرة راحت تشغلني بعد الانتهاء من الدراسة الثانوية ولا أملك إجابات لها. لم أتصوّر في يوم أنّ البحث في تلك الأسئلة سيوصلني إلى ديانة أخرى". يضيف: "لم أخفِ إيماني، مثلما لم أخفِ خلال أربع سنوات بحثي عن الحقائق التي توصّلت إليها".

سناء لطيف، تماماً كما الشيخ مقداد، ولدت في عائلة بهائية. تقول إنّ "مبدأ تحري الحقيقة وطرح أسئلة وجودية يجعلك تبني أفكارك وتتّخذ قراراتك"، مشدّدة على أنّها لن تفرض ذلك على أبنائها. تضيف: "لهم حريّة الاختيار. فالديانة لا تورّث بل تكتسب بالبحث والاطلاع". وتتابع: "نفتقر إلى التعايش والتسامح في ظلّ الاختلاف الديني والعرقي والفكري. والتعايش مفهوم يربى عليه الأجيال ويُكتسَب منذ الطفولة".

دلالات