نظرة دونية إلى "صنّاع" موريتانيا

02 ديسمبر 2017
يعرض أساور ومشغولات تقليدية (العربي الجديد)
+ الخط -
احترفت فئة معيّنة من المجتمع الموريتاني الصناعات التقليدية، وحافظت عليها على مدى قرون. مع ذلك، باتت مهدّدة بالاندثار اليوم، بسبب عزوف شباب هذه الفئة، ويُطلق عليها محليّاً "لمعلمين" أو "الصناع" عن ممارستها، نتيجة عوامل عدة اقتصادية واجتماعية.

وبالرغم من أنّ كثيراً من الدول حول العالم يحافظ على هذه الحرف التقليدية سواء لناحية الحاجة الاقتصادية لها أو لنواحٍ أخرى ثقافية ترتبط بإظهار الوجه التراثي والحضاري للبلاد كونها عنصراً أساسياً من عناصر الثقافة المادية، فإنّ الأمر مختلف في موريتانيا ولا تلقى هذه الحرف الاهتمام الرسمي أو الأهلي الكافي.

نشأت الصناعات التقليديّة في موريتانيا مع نشأة المجتمع، ولطالما عكست الوجه الحضاري للبلاد وتطوّرها. ورغم أهميّة "الصناع" التقليديين، ظلّت نظرة المجتمع لهم دونية، ويعدّ "لمعلمين" أو الصناع في أسفل السلم الاجتماعي في المجتمع الموريتاني. وعادة ما يُنظر إليهم بازدراء واستعلاء من الآخرين، رغم أنّهم استطاعوا صناعة أسلحة وأوانٍ وحلي بإمكانيات بسيطة جداً، استخدمها المواطنون وتاجروا بها في منطقة غرب أفريقيا.

وظلّ "الصناع" التقليديون يوفرون للمجتمع الموريتاني مختلف احتياجاته على مر العصور، كالأدوات التي تُستخدم للتقطيع (مثل السكاكين وغيرها) والحياكة والنسيج والملابس والأواني المنزلية والأسلحة وغيرها الكثير.

وتعدّ أدوات الزينة من أهم المنتجات التي وفّرتها فئة الصناع التقليديين "لمعلمين"، وما زالت تلقى رواجاً حتى اليوم. وتفضّل النساء الموريتانيات ما ينتجه الصناع التقليديون من القلادات التي فيها أحجار كريمة مع الذهب والفضة، على الحلي والأساور المستوردة من خارج البلاد.

وراثة
عن طبيعة هذه المهنة، يتحدّث نائب رئيس الغرفة الوطنية للصناعة التقليدية والحرف (هيئة مستقلة تحت وصاية وزارة الثقافة والصناعة التقليدية الموريتانية)، محمد الأمين ولد الوافي، قائلاً: "الصناعة التقليدية مهنة متوارثة في طبقة لمعلمين، إلا أن بعض الناس من خارج هذه الطبقة ربما يستطيعون ويرغبون في ممارستها". يضيف أنّ "الدولة عمدت إلى تحويل هذه المهنة إلى صناعة يمكن للجميع ممارستها بدلاً من أن تكون محصورة بفئة معينة، وذلك من خلال القانون المنظّم لسير مهنة الصناعة التقليدية الصادر في عام 2003"، ما يؤكّد أن هذه الحرفة كانت مرتبطة إلى وقت قريب بـ "الصنّاع" الحقيقيين الذين توارثوها عبر الأجيال.

ويرى ولد الوافي أن تشجيع الصناع التقليديين ودعمهم مادياً من خلال توفير القرض الصناعي والعمل على تحسين قدرات المنظمات المهنية هو السبيل الوحيد لانتشال حرفة الصناعة التقليدية من الضياع والاندثار.

بدوره، يؤكّد الصانع سيد ولد أحمد، وهو شيخ على مشارف السبعينيات من عمره، أن للوراثة دوراً مهماً في احتراف هذه المهنة، التي ارتبط بها منذ نعومة أظافره ولم يمارس حرفة غيرها. ويوضح أنّه ورث هذه المهنة عن أبيه، "ومن شابه أباه فما ظلم"، وأورثها لأبنائه. يقول: "هذا أفضل ما يمكن أن يرثوه مني". ويؤكد أن الشباب بدأوا يبحثون عن مهن أخرى بسبب العائد المادي، إضافة إلى تأثر المكانة التقليدية للصانع في المجتمع وتأثير المستورد على المنتج المحلي.

النهوض بالقطاع
على مدى سنوات طويلة، عانى غالبيّة أولئك الذين اختاروا الصناعات التقليدية في موريتانيا، تهميشاً كبيراً في ظلّ غياب استراتيجيات واضحة من قبل الدولة لتنظيم القطاع، إضافة إلى تدني مستوى الإنتاج وغياب الاستثمار في هذه الحرفة، ونظرة المجتمع الدونية لهؤلاء.
وانعكس هذا الواقع سلباً على مستوى وجودة المنتج الصناعي التقليدي، وقد أدّت محاولات إصلاح القطاع إلى جعله مفتوحاً أمام الهواة. وفي الوقت الحالي، بات كل من يفتح ورشة للصناعة المحلية صانعاً تقليدياً.

وفي محاولة للنهوض بواقع الصناعة التقليدية في البلاد، عملت وزارة الثقافة والصناعة التقليدية الموريتانية على إعداد وإصدار القوانين التنظيمية للعاملين في الصناعات التقليدية، كما شجعت على تشكيل التنظيمات المهنية العاملة في مجال الصناعة التقليدية، بهدف طرح قضايا هذا القطاع والنهوض بواقعه.

ويُطالب المهتمّون بقطاع الصناعة التقليدية الدولة بتبني استراتيجيات أكثر فعالية لانتشال هذا القطاع، من خلال تحسين قدرات العاملين فيه، إضافة إلى توسيع الدائرة الإنتاجية للصناع التقليديين سواء أكانوا أفراداً أو مجموعات، ودعم مردودية العمل بما يضمن تحسين الجودة وحماية المنتج التقليدي من الضياع والاندثار.